الداهشيَّة

 

دواعي ظهور الرسالة الداهشيّة 

لم يشهد التاريخ البشريّ , منذ فجره الجليّ , قلقاً متفاقماً , ويأساً متعاظماً , وحياةً مأساويّة يقاسيها معظم الناس , كما يشهد في هذه الحقبة من القرن العشرين. 

فالفرد يقلقه إضطراب العيش , وغموض الغد , وفقدان النظام النفسي الصحيح , وتضعضع الفكر في غمرة المذاهب والفلسفات المضطربة المتناقضة , وفراغ الحياة من معنىً يبعث فيها الأمل والعزاء والقوّة . 

والمجتمع يقلقه تنافر مصالح أفراده , وتمزّق وحدة أبنائه , وتلمّس شيعه وأحزابه سبلاً متضاربة للخلاص , وطرقاً يائسة لإقامة دولة آمنة عادلة فاضلة . 

والعالم يقلقه تنافس دوله في التبشير بالسلام , وتسابقها في إيقاد الحروب وزرع الخصام , وتخوّف الشعوب الضعيفة من مطامع القويّة , وضياع الثقة ما بينها , وتباري الأمم في تطوير أسلحة الفناء وامتلاكها , وإقتراب شبح حرب ذرّية عالميّة تقضي على الحياة والحضارات . وفي كل ذلك أمسى العلم مطيّة مسخّرة لأهواء النفس ونزوات الشرّ , وتقلّص دور العقل ليخلي مكانه للجنون .  

هذا القلق المأساويّ , بل هذا التمزّق النفسي , ما كان ليفترس عالم القرن العشرين , لو لم يهن الإنسان لديه , ويجعل نفسه شلواً بين شدقيه . فالبشر زاغوا عن المثل العليا الصحيحة التي بوسعها أن تنفخ فيهم روحاً يدفعهم في طريق الإتّزان الشخصي , والسلام النفسي , والتكامل الحضاري , وبالتالي الرقيّ الحقيقيّ ؛ وانجذبوا الى مثل عليا زائفة , إستمدّوها من قيم عارضة إعتباطيّة , وقوىً بشريّة وهميّة ظنّوها الحقيقة المعزّية الكبرى , فاذا هي سراب علقت به عيون مخدوعة , وعقول أوهنتها أهواء النفس , فعجزت عن الرؤية الجليّة الصائبة . وقد ظهرت آثار هذا الإنحراف بتفاقم يأس الأمم , يوماً بعد يوم , وبدء إنهيار آمالهم القديمة , في بناء عالم يسوده السلام والعدل والمحبّة والفضيلة والسعادة .  

المصير الفاجع الذي صار الإنسان إليه , ما كان إستحقّه لو لم يختاره راضياً . فقد آثر أن ينهج المسلك الماديّ الخارجي , لأنّه يشبع غرائزه البهيميّة , وميوله الفرديّة الأنانيّة , ونزعاته الإجتماعيّة العدائيّة , بما يقدم له من لذّة حسّية آنية سهلة , ومجد دنيويّ سريع , وعصبيّة إقليميّة طمّاعة ؛ وتنكّب عن المسلك الروحيّ الداخلي الذي في إنتهاجه التصاعدي وحده , يكون تكامل الإنسان , وتساميه االحقيقي , وصحة مخطّطاته , وسلامة مؤسّساته , بما يتيح له من هيمنة النزعات الإنسانيّة الخيّرة على الميول السفليّة الشرّيرة , في الفرد والمجتمع . لقد فضّل الإنسان , لإنحلاله النفسي , وتقاعس الإرادة السامية فيه , مدنيّة مادّية صخابة سطحيّة تمتع حواسه , وترهق نفسه , على حضارة روحيّة هادئة عميقة , تجذب السفلي فيه الى العلوي , والخارجي العرضي الى الداخلي الجوهري , وتغمره بسلام وسعادة دائمين .  

وقد أغرى البشر في سلوك ذاك الطريق المنحرف تخلّيهم عن الإيمان اليقيني الثابت بوجود الروح وخلودها ؛ وفهم اليوم , بأكثريّتهم الساحقة , إمّا كافرون أو مؤمنون مشكّكون . هذا الوضع النفسي القلق , الجاحد أو المشكّك , المتأثّر بنزعة مادّية خارجيّة في الرؤية والحكم والتصرّف وبضغط الجوّ العلمي , الواقعي , التجريبي , دفع الجميع الى مطالبة واعية أو غير واعية بإثبات واقعي غير نظريّ , لوجود الروح : إثبات علمي يطمئّن قلق الإنسان , ويبلسم جراحه النازفة , ويضيء الأمل بالخلاص في نفسه , ويزيل الشكوك التي أثارتها الإكتشافات والإختراعات التي بهرت عينيه , إثبات يكون بحجم العصر ومستواه . 

وما كان للمذاهب الفلسفيّة أن تقدم ذاك الإثبات الواقعي , وهي عمارات عقليّة نظريّة متباينة , كلّ منها بني على قاعدة تقرّها فئة وتنكرها أخرى . وما كان للمذاهب الدينيّة الراهنة أن تأتي أيضاً به , ما دامت براهينها كلّها نظريّة . 

وما كان للعلوم العقليّة المعروفة نفسها , أن تقدّم ذاك الإثبات الواقعي أيضاً , ما دام الروح لا يحدّ بمقياس , ولا يسخّر لمشيئة الإنسان , وما دامت وسائل العلم تجريبيّة محدودة . وإزاء هذا العجز البشري الشامل , وضرورة الإيمان الملحّة لإنقاذ الكثيرين , لم يبق إلاّ للروح نفسه , وهو الأعلم والأقوى , أن يعلن ذاته ووجوده للناس,  بإذنه تعالى ورحمته . 

وإذا الروح يتنزّل من لدنه تعالى على رجل من لبنان , هو الدكتور داهش , ليملأ بحقيقة وجوده العظمى فراغ نفوس الكثيرين , وليبهر أبصار المنكرين , ويذلّ عتو المستكبرين … ويعزّي قلوب المتواضعين . 

وما كان الإنسان يمكنه التحقّق من وجود الريح , وهو لا يراها , لولا تحريكها الأغصان والأشياء , ولفحها وجهه ؛ فآثارها تنبىء عن وجودها . 

وما كان الإنسان ليستطيع التثبّت من وجود العقل لولا ثماره وآثاره . فليس بوسع المرء أن يعاينه أو يتلمّسه أو يتحسّسه؛ ومع ذلك لا يخامره أن يجحده , لأنّه يتّخذ من أفعال  العقل ومنتجاته شهوداً حاسمة على وجوده . كذلك الروح , ما كان للإنسان أن يتيقّن من وجوده لولا آثاره وثماره الخارقة , فهي الشاهد الأصّدق عليه .

والعلوم , ثمرة العقل الفضلى , لا تعدو أن تكون في سيرها التصاعدي , سعياً الى مزيد من الكشف عن القوانين الطبيعيّة التي هي ملمح من ملامح الحقيقة الإلهيّة الأزليّة اللامتناهية ؛ ومع ذلك فهي برهان كاف على قدرة العقل ومدعاة لإجلاله . أفلا تكون معجزات الروح – تلك التي تتحدّى العقل البشري في حشوده وطاقاته وإمكاناته وإختباراته , فيقف دونها قزماً عاجزاً مدهوشاً – حجّة أقوى على عظمة الروح وسلطانه , وقدرته الخارقة الفائقة !  وهيهات ما بين قوّة تحدّها أبعاد المادّة وتخضعها قوانينها , وقوّة تتفلت من نواميس المادّة وأبعاد الزمان –المكان ! هيهات ما بين سراج باهت هو العقل وشمس وضّاءة هي الروح !  

العقل البشريّ الذي عجز فاستعلى فأنكر , هو الذي سيقف موقف الحرج , هذه المرّة , أمام إستطاعة الروح وسطوع وجوده . فإمّا أن يأتي بما يأتيه الروح من ظاهرات ومنجزات معجزات , وإمّا أن يخضع لرسول الرحمن مسلّماً تسليماً . 

ولدى تأكّد وجود الروح المفارق لعوالم  ” المادّة ” , المتخطّي لأبعادها , القاهر لقواها , المعجز لبني البشر , ماذا يتأتّى لنا من فائدة ومغزى ؟ فيما إذ تتبدّل نظرة الإنسان الى كل شيء وكل قضيّة , وتتغير مواقفه وتعليلاته وتقويماته ومعانيها . فبدل أن يكون تفسيره للكون  ” مادّياً ” يصبح ” روحيّاً ” , وبدل أن تكون قيمه ومثله مستمدّة من قولى مادّية إعتباطيّة عارضة , قوىً خارجيّة وهميّة زائفة , تستمدّ من قوى روحيّة جوهريّة حقيقيّة خالدة . إذ ذاك يتيسّر له فهم أن وراء المنظور لا منظوراً , ووراء المحسوس لا محسوساً , وأن ذلك اللامنظور , أللامحسوس , سرمديّ , قوي , عادل , يعطي كل نصيبه من الحقّ ثواباً وعقاباً ورحمة ؛ وعندئذ يتشوّف  الإنسان الى ما بعد القبر , وقد ثبت لدي تواصل بقاءه النفسي , وارتباط مصيره اآتي بواقعه الحالي , وبناء حياته اللاحقة على حياته السابقة, وتجلّى له الخالق سبحانه مصدراً أعظم للقوى الروحيّة , وغاية نهائيّة لتطوّر الكائنات , وتكامل الحياة , فتدفعه يقظته الروحيّة الى توجيه سلوكه وتفكيره توجيهاً يضمن له رقيّاً حقيقيّاً , وخلاصاً حقيقيّاً , وسلاماً نفسيّاً فرديّاً وجماعيّاً حقيقيّاً . 

 

الرسالة الإلهيّة : 

ان المعجزات التي صنعها الدكتور داهش لم تكن غاية  بحد ذاتها , بل وسيلة , و بكلمة اصحّ شهادة على صحة الرسالة الإلهيّة التي كان الدكتور داهش يشعر بإرهاصاتها , و يرتقب بشوق عظيم ان يحققها الله على يديه , منذ حداثته ؛ حتى اذا ما بلغ السابعة والعشرين , سنة 1936 , سجّل في كتابه ” كلمات ” شعوره قائلاً : 

” أشعر بأني أحوي في أعماقي قوة روحية خفية هائلة تودّ الإنطلاق , لتقوم بعمل خطير عظيم ؛ و لكني أكتبها الى أجل معلوم . و لن يمضي غير قليل حتى تتفجر ينابيعها , وتجتاح في طريقها كل ما يعترضها من حواجز و عقبات , ثم تبرز للعيان جلية , واضحة , لا لبس فيها و لا غموض”.  

و ما ان انقضى العام المذكور حتى أثبت الدكتور في كلمة استقباله للعام التالي هذا القسم العظيم : 

” أقسم بك , يا خالقي , انه لو وجد ملايين  

من الأغبياء المارقين , أو الخونة المماذقين ,  

و ملأوا طروس الأرض ,  

لا بل لو نقشوا حجارة هذا الكون بأسره , قائلين بها :  

” ان رسالتي هذه غير صادقة ” ,  

لمشيت رافع الرأس , موفور الكرامة .  

و سأبقى على تبشيري و إذاعة رسالتي , 

حتى تعم الأرض , و تنتشر في السماء أيضاً . 

و لن تثنيني البرايا  بأسرها عن أدائها , يا الله ,  

ما دمت انت تمدّني بقوتك الالهية .  

و هذه يميني يا خالقي , 

أرفعها لك من أعماق قلبي  

الذي لا يخفق الاّ بذكر  اسمك القدّوس , 

برهبة و خشوع كليين”. 

و كان على الأرض ان تنتظر حتى 23 آذار 1942, لتشهد تمام الحدث الجلل , اذ ان الأرواح العلوية تنزّلت , في هذا اليوم , على الدكتور داهش , بحضور المؤمن الأول الأديب يوسف الحاج  , معلنة قيام الرسالة الداهشية , و بدء  التاريخ الداهشي في العالم , و ذلك في أول جلسة روحية عقدها مؤسس الداهشية . 

 

الحقائق الروحية الداهشية  

إنّ المحاكم المدنيّة والجزائيّة تصدر حكمها في أيّة قضيّة – وقد يترتب على الحكم حياة أو موت – إذا ما تهيّأ لديها بضعة إثباتات مادّية وبعض شهود . وخوارق الدكتور داهش معروضة أمام محكمة العالم منذ نصف قرن ؛ وألوف هم الشهود الذين يؤكّدون صحّتها , وفيهم مدّعون عامّون , وقضاة كبار , ومحامون لامعون , وأطبّاء مشهورون , وأدباء , وأساتذة جامعيّون , وصحافيّون من مختلف الجنسيّات . أفلا  يكفي هذا الحشد من الشهود لتتنبّه الضمائر الحيّة , وتتجرأ النفوس الشريفة  فتعلن الحقيقة الروحيّة الكبرى , بصوت مدوّ في كلّ أنحاء العالم ؟ ! خصوصاً أنّ بين الشهود مئات ممن يجمعون الى الكفاءات الثقافيّة العالية سيراً نقيّة وأخلاقاً سامية ؛ إذ فضّلوا التخلّي عن مناصبهم ومكاسبهم المادّية , ودخول السجون , ومعاناة الإضطهاد والآلام  , على أن يتخلّوا عن إيمانهم بحقيقة تيقّنت منها عيونهم , واقتنعت بها عقولهم , واهتزّت لها قلوبهم . 

فإن كانت الكفاءة العلميّة لا يوثق بأهلها , والكفاءة المسلكيّة لا يطمأن الى شهادة أصحابها , فما الذي يجعلنا نؤمن بالحقائق العلميّة وهي ألوف ,  ولم يختبرها منّا إلاّ القلائل ؟ إذ من يجرؤ على الزعم بأنّه قاس سرعة النور بنفسه , وفحص تكوين الذرّة بعينه , وحلّق بين الكواكب , وغاص في أعماق البحار , ودرس ما فيها من أسرار , مطّلعاً بنفسه على كلّ الحقائق العلميّة التي يسلّم بها دونما جدال ؟ ! 

وما الذي يجعلنا نؤمن بمعجزات السيّد المسيح ؟ ونحن لم نر منها معجزة واحدة , ولم يخبرنا بها أحد من المؤرّخين أو المعارضين , إنما عدد قليل جدّاً ممن آمنوا بها , بعد أن رأوها أو سمعوا عنها ! 

إنّ المنطق السليم يجعلنا نؤمن بالحقائق العلميّة كما نؤمن بمعجزات المسيح , لأنّ الذين خبروها وشهدوا لها كانوا يتمتّعون إمّا بكفاءة ثقافيّة أو بأمانة خلقيّة , فكيف بنا والشهادات على معجزات الدكتور داهش تتواتر وتتكاثر حتى الألوف , ومن أنصاره وأخصامه على السواء , ومن عدد كبير من الذين يجمعون العلم الرفيع الى الخلق النبيل ! وكيف بنا ورجل الخوارق ما زال حيّاً بيننا , يستقبل عشرات الوافدين يوميّاً , فيصوّر عجائبه المصوّرون , ويحتفظ بإثباتاتها المادّية الزائرون , ويخرج الكافر من لدنه مؤمناً باللّه وأنبيائه دونما تفريق , ويخرج المعاند المكابر شاهداً لحقيقة المعجزات , وإن لم يؤمن , لعلّة فيه , بدعوة صاحبها . ولا عبرة بقلّة ممن زاغت قلوبهم , وعميت عيونهم , واستؤجرت أقلامهم , فآثروا الباطل على الحقّ ؛ فدولة الباطل ساعة , ودولة الحقّ الى قيام الساعة . 

من المعجزات التي ثبتت , إذن , لدى الألوف , ننطلق لإعلان الحقائق الروحيّة الداهشيّة , فيكون سيرنا , لا في فضاء النظريّات والتخمينات الفلسفيّة أو اللاهوتيّة , بل على أرض الواقع الصامد . 

الحقائق الداهشيّة 

لئن استطاع العلماء أن يكشفوا عن بعض أسرار الوجود , فما يزال مغلقاً دونهم ما لا يحصى منها . ولذا فهم يقفون وسط بحار المجهول المحيطة بهم حائرين خاشعين . 

لقد أثبتوا , بعد مراجعات كثيرة , وتجارب طويلة , وجهود جبّارة , أنّ الجماد ليس جماداً , فالحركة تحييه , كما تحيي غيره من أنواع الكائنات , وأنّ في أساس تكوينه , كما في أساس تكوينها  , الطاقة الكهربائيّة المغنطيسيّة , وأنّ هذه الطاقة لا تفنى , فهي محفوظة في الكون . 

ولكن , ما سرّ هذه الطاقة ؟ وما مصيرها بعد زوال مظاهرها المحسوسة ؟ وما صلة الإنسان الجوهريّة بغيره من الكائنات ؟ وكيف تتطوّر الحياة ؟ وماذا قبل الولادة وبعد الممات ؟ هذه الأسئلة ومتفرّعاتها , ما برح العلم عاجزاً عن الإجابة عليها . 

أمّا الإجتهادات  الفلسفيّة , والتأويلات المذهبيّة , فتناقضاتها تزيد الإبهام والبلبلة , وقيمتها تلزم صعيد التخمينات والنظريّات , فلا تكتسب قوّة الحقائق الواقعيّة . 

وهنا خطورة معجزات داهش , فهي تستبق العلم في ما تزفّ الى المعرفة البشريّة من فضّ أسرار وإيضاح غوامض , وفي ما تهدي الى الحائرين من أمر دينهم ودنياهم نوراً ساطعاً يضيء لهم الطريق . 

حتى الأمس القريب , كان العلم هو السبّاق , والمذاهب الدينيّة تحاول اللحاق به , جاهدة مرغمة . حسبنا الإلماع الى مأساة غاليليو ( 1564 – 1642 ) , ومقاضاة محكمة التفتيش الكنسيّة الرومانيّة لتقدّم المعرفة بمقاضاته , كما الى الحكم الذي أصدره بيوس العاشر , سنة 1907 , ضدّ الحركة العلميّة الحديثة . 

أمّا اليوم , فالمعجزات الداهشيّة هي التي تطرح التحدّي على العلم , فيجري وراءها لاهثاً . ذلك بأن الداهشيّة ليست نظريّات وافتراضات , بل حقائق روحيّة مدعومة بالبراهين المحسوسة . وللمرّة الأولى في التاريخ , يرفع القناع عن المجهول بهذه القوّة والعظمة . 

فما هي خلاصة هذه الحقائق ؟ 

يمكن إجمالها بخمس : 

1 – وجود الروح وخلودها . 

2 – السيّالات الروحيّة هي نسيج الكون وقوام كائناته . 

3 – السببيّة الروحيّة والجزاء العادل . 

4 – التقمّص . 

5 – وحدة الأديان الجوهريّة . 

 

1- وجود الروح وخلودها  

الكتب الدينيّة كلّها تحدّثت عن وجود الروح , كذلك أكثر الفلاسفة . ومع ذلك , فليس من عصر شاع فيه الإلحاد والتشكيك بوجودها كهذا العصر . ذلك بأنّ الناس باتوا لا يؤمنون بالمجرّدات . فهم يطالبون بإثبات ماديّ لوجود الروح يكون بمستوى العصر , لآنّ العلم المنتشر في أرجاء المعمور رسّخ في أذهانهم منهج التحقّق الماديّ الإختباريّ . 

وليس ثمة من برهان ماديّ ساطع على وجود الروح إلاّ المعجزة . فهي ” بخرقها ” قوانين الطبيعة الأزليّة التي تحكم البشر جميعاً , تثبت أنّ القدرة التي تصنعها لا يمكن أن تكون قدرة بشريّة . فأعظم الإختراعات , وإن تكن الصواريخ والسفن الفضائيّة , لتبدو ضئيلة باهتة لصاحب البصيرة النيّرة , حيال أيّة معجزة من أي نوع كانت . ذلك بأنّ المنجزات العلميّة ليست سوى أعمال بشريّة يستفيد بعضها من بعض , ويبنى أللاحق منها على السابق , ومهمّتها محاولة الكشف عن المزيد من أسرار الطبيعة والإستفادة منها ؛ وهي لا تستطيع خرق قوانينها , بل تجاريها . وكلّ إنسان بوسعه القيام بالأعمال العلميّة إذا  ما راعى الشروط والظروف والوسائل المادّية المقتضاة . أمّا المعجزة فليست من قدرة البشر , وإن احتشد لها علماؤهم من جهات الأرض الأربع . 

فهل إستطاع الأطباء , على التقدّم العظيم الذي حقّقوه , أن يشفوا أيّة علّة أو إصابة عضويّة بغير عقاقير , أو دونما لجوء الى عمليّات جراحيّة لدى الإقتضاء ؟ هل إستطاعوا أن يقفوا , مثلاً , أمام برصاء متهرّئة اللحم ويقولوا لها : فلتشفي . وتشفى على الفور ؟ 

أو هل يستطيع العلماء مجتمعين أن يحوّلوا ورقة يانصيب خاسرة الى ورقة رابحة بمجرّد أمرها ؟ أو أن يكوّنوا صحيفةً , قبل صدورها , بعدّة أيّام , بمجرّد قولهم : كوني , فتكون ؟ 

ذاك لم يحدث ولن يحدث , لأنّه لو جرى , لخرج الإنسان عن طبيعته البشريّة , وأصبح إلهاً , أو روحاً تطيعه المادّة وتخضع له القوانين التي ما أرادها أللّه تخضع إلاّ لمشيئته , لأنّه مبدعها وحافظها . 

أمّا الدكتور داهش فقد إستطاع ذلك , ويستطيعه يوميّاً , لكن ليس بقدرته البشريّة , بل بقوّة الروح العليّ الذي اتّخذه إناءً مختاراً , ليصنع معجزات الهداية , على يديه . 

وفي القسم السابق من هذا الكتاب , ذكرت مفصّلاً عشرات المعجزات الملموسة الدامغة التي إجترحها رجل اللّه , أمام مئات من الشهود المثقّفين الكفوئين , مما يدع أعاظم العلماء والمفكّرين , في حيرة وذهول , خاشعين عاجزين . 

فإزاء هذه الخوارق لا يسع ذا البصيرة النيّرة إلاّ التسليم بوجود قوّة روحيّة تتخطى القدرة البشريّة , وتخرق القوانين الطبيعيّة وتهيمن على الكائنات , تماماً كما يسلم المرء بوجود الطاقة المغنطيسيّة من جرّاء ملاحظته تأثير جاذبيّتها على بعض الأجسام , مع أنّه لا يستطيع القبض على الطاقة المغنطيسيّة . 

فإذا ما زدنا الى خوارق الدكتور داهش التي لا تحصى , مئات من النبوءات سلّمها الى مئات الأشخاص , إزداد يقيننا بوجود هذه القوّة الروحيّة المتفلّتة من قيود الزمان والمكان التي تكبّل كلّ بشريّ . 

 

ثلاث نبوءات تتعلّق برئيس الجمهوريّة اللبنانيّة 

ومن هذه النبوءات ثلاث تتعلّق برئيس الجمهوريّة اللبنانيّة الأسبق , بشارة الخوري : 

الأولى , سلّمت الى عقيلته السيّدة لور في 13 تشرين الثاني 1943 , إثر إلقاء السلطة الفرنسيّة القبض عليه ؛ وذلك بعد توسّلها الى الرجل الخارق لإطلاعها على مصير زوجها , وذلك بواسطة شقيقتها الأديبة ماري حدّاد التي كانت آمنت بالرسالة الداهشيّة . وممّا جاء فيها أنّ بشارة الخوري سيعود الى الحكم في 22 تشرين الثاني 1943 , مع إيضاح ملابسات الأحداث التي ستجري . 

والثانية نشرتها جريدة ” الصحافيّ التائه ” في 20 شباط 1944 ؛ وخلاصتها أنّ إضطهاداً سيشنّه بشارة الخوري على الدكتور داهش , وسينزل جزاء روحيّ بالمضطهد , وذلك بكسر يده من كتفه , فيضطرّ الى قصد القدس للإستشفاء , في 15 شباط 1945 . وقد تمّت النبوءة بحذافيرها , مع العلم أنّها نشرت , قبل نحو عام من وقوع أحداثها . 

والثالثة تكشف تاريخ موت بشارة الخوري , وقد اطّلعت عليها إبنته السيّدة هوغيت كالان بواسطة صديقتها السيّدة وداد نفّاع . 

ولو أردنا تفصيل كلّ النبوءات الداهشيّة لملأنا بها مجلّداً . حسبنا الإلماع الى نبوءاته بفوز الأستاذ بشير العثمان في الإنتخابات النيابيّة , مع ذكر عدد الأصوات التي سينالها , وسقوط السيّد محسن سليم , ومصرع الرئيس الأميركيّ جون كندي , وقد تسلّم النبوءة به عشرات الأشخاص , منهم المحامي والوزير السابق إدوار نون , وذلك قبل مقتله بمدّة طويلة (35) . 

كلّ تلك الخوارق والنبوءات تلزم الواعين  من البشر الإيمان بوجود الروح وقدرتها . وذلك يستتبع , لزاماً , التسليم بثلاثة أمور : 

1 – الإيمان بوجود اللّه عزّ وجلّ ؛ لأنّ الروح تشهد له , فهي نفثة إلهيّة من ذاته , لا يشوبها دنس , ولا يلطّخها أيّة كثافة ” مادّيّة ” . وهو مبدعها ومعادها . ولأنّها من جوهره الخالد فهي خالدة . 

2 – الإيمان بوحدة الأديّان ؛ لأنّ روحاً عليّاً واحداً أوحاها , وغاية سامية واحدة حرّكتها ؛ وبالتالي السعي نحو تحقيق هذه الوحدة في وجود واقعي حيّ . 

3 – التسليم بمعرفة الروح الخارقة المحيطة بالأسرار كافّة , والعمل بإرشاداتها الخيّرة . 

ومن إرشادات الروح ألاّ يضيّع البشر وقتهم في البحث عن جوهر الألوهيّة , والأختلاف حولها ؛ لأنّ من ولدوا في الأرض لم يعطوا أن يعرفوها . ولسان حال الداهشيّين , إزاء هذا الأمر , قول هاديهم : 

إستسلام  

عبثاً يحاول ملايين الفلاسفة معرفة الألوهيّة . 

فحوادث الدهور قد مرّت وهي تواكبهم , 

والقبور فغرت أفواهها , وضمّت من الأنام مواكبهم , 

الكلّ فان ؛ وليس من خالد سوى اللّه والسماء , 

ومقاصده الخفيّة في خلقنا خفيت حتى على الأنبياء . 

فلنخشع , ولنضرع , كي نرتع في جنّاته السّرمديّة.  

 

2- السيّالات الروحية هي نسيج الكون و قوام كائناته   

والسيّالات الروحية تعني قوى إشعاعية حية غير منظورة هي امتداد للروح في العوالم الماديّة . 

و السيّالات جميعها ذات إدراك و إرادة و نزعات , لكن على درجات متفاوتة . 

و قد تأكد لنا , من مئات المعجزات التي شاهدناها و شاهد مثلها الألوف غيرنا , أن السيّالات الروحية هي نسيج الكون و قوام كائناته ؛ هي الجوهر الخالد الذي يوحد الموجدات , و إن اختلفت مظاهرها المحسوسة . و ليست الطاقة الكهربائيّة المغنطيسية التي اكتشف العلم أنها في أساس الوجود كله إلاّ صفة من صفاتها . 

فخصائص الحياة النفسية ليست في الإنسان فقط , بل هي أيضاً في الحيوان و النبات و كل ما يسمى ” مادة ” . 

ووجود السيّالات في البشر , على تفاوت في العدد , و الميزة , و الدرجة , بين فرد و فرد , هو الذي يسبب تباين القدرات الجسدية والعقلية , و اختلاف الميول و المواهب النفسية عندهم . كما إن انسجامها و سموها في الإنسان يبعثان السلام و الاتزان في نفسه , وتناقضها و انحطاطها يسببان الاضطراب و الاختلال . كذلك , فإلى تشابهها  أو تباينها , في الأشخاص و الجماعات , يعود التجاذب والتحابّ , أو التنافر و التباغض . 

هذه القضايا البشرية , ما يزال المشتغلون في علم النفس يحاولون الوصول الى تفسيرها , جاهدين , من غير أن يطمئنوا الى رأي صائب يتفقون نهائياً عليه , بينما أدركت الداهشية حقيقتها و سرها من زمن بعيد.  

و قد أتيح لي , كما لكثيرين غيري , أن نتيقن من أن الفناء الذي يطرأ على الأشياء , إنما هو تبدل محصور في مظهرها الحسي النسبي , و لا يمس جوهرها الحي .  

فمراراً كنا نحرق أشياء مختلفة , بينها أوراق مالية , و سندات أو صور أو مخطوطات , أو تحطم أمامنا كؤوس بلوريّة و ما أشبه , ثم يعيد الدكتور داهش تكوينها , كما كانت , بلمح البصر , و بقوة الروح العليّ . و شهود هذا النوع من المعجزات يعدون بالمئات . أكتفي منهم بذكر النائب السابق محسن سليم , و الأديب جورج حداد , و الوزير السابق المحامي إدوار نون , و السيدة ناديا غبريال , والسيدين أنجلو بولو و امين نمر . وسبق أن فصّلت في القسم الثاني من هذا الكتاب , معجزة إحياء العصافير الميتة أمام الشيخ منير تقي الدين و الصحافي إسكندر رياشي. 

فهذه المعجزات التي تعيد الحياة الى الميت , و الشيء الذي احترق أو تحطم , الى وجوده السابق نفسه , إنما تؤكد أن السيّالات الروحيّة خالدة , سواء أكانت في الإنسان أو الحيوان أو النبات أو الجماد . 

أما الحقيقة الأغرب التي أوضحتها الداهشية , فهي أن كل كائن , بل كل عمل أو رغبة أو فكر , يكون لها نموذج حي او صورة أو تسجيل تحفظ  روحياً  في عوالم خاصة , كشهود على حياة الكائن و سلوكه و أعماله . و إيضاح ذلك يتم في المعجزات التالية : 

 

حمامة نوح تعود الى الأرض   

في 11 حزيران 1943, عقدت جلسة روحية كان من حاضريها الأديب جوزف حجار , و عقيلته السيدة آندره , و مؤرخ الوقائع الداهشية حليم دمّوس .  

و ما إن ارتعش داهش بالروح , حتى سمع الحاضرون حفيف أجنحة خفيّة , سرعان ما تبعه تجسد حمامة ناصعة البياض ظهرت في فضاء الغرفة المغلقة , و حطت على كتف السيدة آندره , و في منقارها عرق زيتون أخضر يقطر ماء . 

و قد أوضحت الروح , بفم الدكتور داهش , أن هذه الحمامة إنما هي حمامة نوح نفسها . و قد حفظ سيّالها , بعد موتها , في عالم روحي خاص . و كذلك عرق الزيتون , و الماء الذي يقطر منه , حفظ سيّالاهما , أيضاً , بعد زوالهما . وهكذا كل موجود بعد تلاشيه .  

و مكثت الحمامة في منزل الرسالة الداهشية ما ينيف على ستة أشهر , كانت في أثنائها تطير من غرفة الى أخرى , و تحط على أكتاف الزائرين , و تأكل من أيديهم بطمأنينة , حتى إذا حل صباح  27 كانون الأول 1943, شاهد المجتمعون في المنزل , تلك الحمامة العجيبة تحوم فجأة حول رأس رجل الروح , ثم تمضي تحوم فوقه مصعدة في فضاء الغرفة , و حجمها يتضاءل شيئاً فشيئاً , حتى تصبح بحجم النحلة محتفظة بشكل الحمامة ؛ و تستمر تصغر , حتى تعجز العيون عن إبصارها . و هكذا تعود الى العالم الذي هبطت منه .  

كذلك , فعشرات هي المرات التي كان يفاجأ فيها زائرو الدكتور داهش باطلاعهم عنده على أحاديثهم  مسجلة بحرفيتها , و أفكارهم الصامتة مدونة  بخلجاتها , و أوضاعهم المختلفة مصورة بتفاصيلها. ذلك ما جرى مع السيدة رسمية الحريري و زوجها , و السيدين شفيق المقدم و مصطفى الخطيب , و الآنسة إيلين ضاهر و شقيقها نقولا , و غيرهم كثيرين . مع العلم أنهم كانوا , ساعة حديثهم أو تفكيرهم أو عملهم , منفردين في منازلهم , بعيدين عنه . 

بهذه المعجزات وحدها نفهم معنى الآية القرآنية :” و إن من شيء إلاّ عندنا خزائنه , و ما ننزّله إلاّ بقدر معلوم ”  (الحجر : 20 ) , و الآية القائلة : ” يوم تشهد عليهم ألسنتهم و أيديهم و أرجلهم بما كانوا يعملون ” (النور:24). كما يتحقق أمامنا ما قاله السيد المسيح :” أقول لكم إن كل كلمة بطالة يتكلم بها الناس يعطون عنها جواباً في يوم الدين ” ( متى 12: 36). و يضيء في أذهاننا قوله تعالى : ” أم يحسبون أنّا لا نسمع سرهم و نجواهم ، بلى و رسلنا لديهم يكتبون ” ( الزخرف : 80). 

 

3- السببية الروحية و الجزاء العادل 

إن الأحداث اليومية التي تقع , من مرض و موت و خسارة , أو شفاء و نجاة و ربح , و غير ذلك , يعللها معظم الناس بأسبابها  المادية المباشرة , و إن جهلوها فبالصدفة . فإن تدهورت سيارة , مثلاً , و قتل فيها فرد , و جرح ثان , و سلم آخر, عللوا اختلاف مصاير الركاب بالصدفة , أو بأسباب مادية محضة . 

 و فضل المعجزات الداهشية أنها توضح أنها  مصاير البشر ونتائج أعمالهم تشرف عليها قوة روحيّة عادلة  حكيمة مدبرة , لا يفوتها شيء , مهما صغر و دق , و لا يعجزها أمر , مهما عظم وتعقد . 

فالصدفة لا وجود لها , على الإطلاق . و السببية قانون كوني شامل ؛ لكن الإنسان لا يدرك منها سوى الوجه المحسوس , أو الذي يستطيع عقله وعيه , بينما تبقى العلة الحقيقية , و هي دائماً علّة روحية , محجوبة عنه . فالمرء , سواء مات في فراشه ميتة هنيئة , أم في حرب , أم إثر حادثة معينة , فتحديد أجله إنما يكون بموجب نواميس روحية , وفق استحقاقاته و درجة سيّالاته . فأن حان أجله , فاجأه الموت أينما كان , و لم يعصمه حصن , و لا بحر , و لا طبيب , في أي مكان. و إذا لم يحن أجله أنقذ مما لا ينقذ منه سواه . 

و بغية الإيضاح الواقعي, سأعطي مثلين عجائبيين: 

 

بطيختان ترتفعان ثم تسقطان بصورة عجائبية  

خلاصة المعجزة الأولى انه بينما كان الدكتور خبصا بصحبة الدكتور داهش وراء صيدلية حمادة في بيروت , إذا برجل الخوارق يرتعش بالروح و يخاطب رفيقه قائلاً :” أنظر الى هذا البائع الجوال” . و كان إزاءهما على بضعة امتار بائع أمام عربة عليها بطيخ . فأشار الدكتور داهش بيده , فإذا بطيخة ترتفع في الهواء , وتقع على الأرض محطمة . ثم أعاد الإشارة , فارتفعت بطيخة أخرى, و سقطت محطمة . فسأله الدكتور خبصا , متأثراً : ” لكن لم ذلك ؟ فهذا البائع مسكين , و هذه الخسارة تكلفه غالياً “. فأجابه الروح العليّ بفم الدكتور داهش :” أجريت ذلك أمامك , لأعلمك أن العدالة تجري على جميع الكائنات , كبيرها و صغيرها  , بصورة طبيعية , من غير أن ينتبهوا لكيفية سيرها . فهذا البائع ربح أكثر مما يجب له في هذا النهار , و ربحه غير الحلال , و إن يكن ضئيلاً , خسره بتحطم البطيختين . و لو لم أرك ذلك بالمعجزة , لتتنبه , لكانت العربة سقطت في حفرة من غير انتباه صاحبها , و لتدحرجت البطيختان نفسهما من فوقها و تحطمتا “. 

هذه المعجزة , و كثير من أمثالها , وضحت للداهشيين أن ما يزرعه الإنسان يحصده , و أن أعمال البشر جميعاً , وعلاقاتهم بعضهم ببعض , تترتب عليها نتائج من شأنها أن تقيم العدل الإلهيّ بينهم .” فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره , و من يعمل مثقال ذرة شراً يره”(سورة الزلزال:7- 8) و ” إن الله لا يظلم مثقال ذرة ” ( سورة النساء:40) 

أما المعجزة الثانية فتوضح كيف تتم المساعدات الروحية وفق استحقاق أصحابها .  

 

سيارة تخترق شاحنة دون أن تصاب هي أو ركابها بخدش 

في 3 آب 1964,  زار السيد شفيق المقدم الدكتور داهش بصحبة عقيلته السيدة رباب و شقيقتها .و كان في الجلسة آخرون .  

فارتعش رجل المعجزات بالروح و قال لشفيق :” إن حادثاً فظيعاً سيقع لك و لأسرتك قريباً , و لكن لا تخف, فإني سأطلب مساعدة روحية من العناية الإلهية لرفع الخطر عنك .” و طلب الدكتور داهش الى الدكتور أبي سليمان  الذي كان حاضراً , أن يرسم الرسم الداهشي المقدس, و يضمنه دعاءً لله عز و جلّ , لرفع الخطر. ووقع الحاضرون جميعاً أسماءهم على الدعاء. 

و بعد ثلاثة أيام من هذه الزيارة , و عند الساعة الحادية عشرة و النصف ليلاً , بينما كان السيد مقدم عائداً مع بعض أفراد أسرته من النبطية, في سيارته البويك , و هو يجري بسرعة كبيرة  تتراوح بين 120 و 140 كلم في الساعة , وصل الى منعطف خطر , فحاول أن يخفف السرعة , لكنه فوجئ , بعد نحو خمسة أمتار من المنعطف , بشاحنة كبيرة  واقفة في عرض الطريق الضيق , بسبب عطل طرأ عليها , و امامها بقعة موحلة , و كان الطريق مسدوداً بها, و على أحد جانبيه , صخور عالية , و في الجانب الآخر هاوية . وفقد شفيق السيطرة على سيارته , ووجد نفسه وجهاً لوجه , أمام موت رهيب. و زعق الجميع للمشهد الفظيع , و للمصير الرهيب المنتظر , و برق في رؤوسهم الدكتور داهش  ووعده بتخليصهم من الكارثة المتوقعة. و شاهدوا سيارتهم تصطدم بسرعة فائقة بالشاحنة , ويتقصف المعدن أمامهم , و يتحطم الزجاج , و يحسّ السائق بالصدمة في صدره ؛ كل ذلك في ثانية , و في ثانية أخرى , كانت السيارة و ركابها في الجانب الآخر أمام الشاحنة . لقد تمت المعجزة , و أنقذت الأسرة من الموت الشنيع , بإذن الله , و مساعدة رجل الله. فاخترقت السيارة بصورة روحية إعجازيّة الشاحنة , من غير أن تمسّ بخدش واحد , لا هي ولا ركابها . فحمد الجميع الله و مجّدوه , وازدادوا يقيناً و إيماناً بالدكتور داهش و بصحّة رسالته.

فأية قدرة في العالم تستطيع فعل ذلك ؟ أن تجعل كتلة عظيمة من الحديد تخترق كتلة أخرى من غير خدش يصيبها ؟ أن تسحق المعدن على اللحم و العظم , فيعلك البشر و سيارتهم  في صدام رهيب , ثم ينجوا من الموت المحتوم , و لا جرح في أجسامهم ! إنها قدرة الله , وحده سبحانه , تتجلى على يدي عبده و مصطفاه  داهش العظيم .  

هذه المعجزات و امثالها تجعلنا ندرك معنى قول السيد المسيح : ” أليس عصفوران يباعان بفلس , و مع ذلك فواحد منهما لا يسقط على الأرض بدون أبيكم . و أنتم فشعر رؤوسكم جميعه محصى , فلا تخافوا , فإنكم أفضل من عصافير كثيرة” ( متى 10: 29 – 31) . كما تجعلنا نفقه معنى الآية الكريمة: “و لكل أمّة أجل , فإذا جاء أجلهم , لا يستأخرون ساعة , و لا يستقدمون ” ( سورة الأعراف : 34) .  

 

4- التقمص 

لقد أدرك حقيقة التقمص فلاسفة عديدون , منهم فيثاغورس وافلاطون , و آمن بها , اليوم , مفكرون كثيرون , بينهم نابغة لبنان , جبران خليل جبران . و كانت عقيدة التقمص قوام البوذيّة و الأديان الهندوسيّة عامة . و صرح بها القرآن الكريم , دونما تفصيل في قوله : ” كيف تفكرون بالله , و كنتم أمواتاُ فأحياكم, ثم يميتكم , ثم يحييكم , ثم إليه ترجعون ”  ( سورة البقرة : 28 ) , و في آيات كثيرة أخرى اعتمدتها عدة مذاهب إسلامية شيعية , أو درزية , لإعلان إيمانها بالتقمص. كما ألمع إليها السيد المسيح في مواقف كثيرة , منها قوله  لتلاميذ يوحنا المعمدان الذين سألوه عمن يكون معلمهم , فقال لهم : ” إذا أردتم أن تقبلوا فهو إيليا المزمع أن يأتي ” ( متى 11: 14) , و كذلك جوابه لتلاميذه , بعد ان سألوه لماذا تقول الكتبة أن إيليا ينبغي أن يأتي أولاً ؟ فقال لهم : ” إن إيليا قد أتى , و لكنهم لم يعرفوه , بل صنعوا به كل ما أرادوا… ففهم التلاميذ , حينئذ , أنه عنى بكلامه يوحنا المعمدان ” ( متى 17 : 12 و 13 ) .  

لكن الداهشيين إن آمنوا بما أنزل في الكتب المقدسة , فهم يدعمون إيمانهم بمعجزات محسوسة  تؤكد التقمص , بانتقال السيّالات الروحية من جسد الى آخر في الأرض , إنساناً كان أو حيوان او نبات أو جماداً. 

فمن الحقائق التي تكشّفت في الجلسات الروحيّة الداهشيّة أن يسوع الناصري هو أحد تجسّدات المسيح الكثيرة في الأرض . وسيّالات المسيح هي التي صنعت  الحضارات الإنسانيّة , و ما تزال تصنعها . و هي متغلغلة في الرسل و الانبياء من مثل إبراهيم وموسى و داود و سليمان و محمد … كما في الحكماء و الهداة من مثل بوذا و كونفوشيس و لاوتسو و سقراط  و ديوجينس و غاندي… و ما كان يتاح للدكتور داهش أن يؤسّس الرسالة الداهشيّة , و يعقد الجلسات الروحيّة التي تتجلى فيها الأرواح  العلويّة , و تصنع المعجزات , لو لم يكن بعض سيّالات المسيح .  

كذلك فقد انتقلت بعض سيّالات الإسكندر الى نابوليون الأول , وبعض سيّالات الأخير الى هتلر ؛ كما انتقل بعض سيّالات ابراهّام لنكولن الى جون كندي , و بعض سيّالات رعمسيس الثاني الى صلاح الدين الأيوبي ثم الى جمال عبد الناصر.  

يقول مؤسس الداهشية نظريتنا في التقمص هي الآتية :  

إن الأديان قاطبة تقول , بل تؤكد أن الإنسان يولد على هذه الأرض , و في أثناء حياته الأرضية يقوم بأعمال صالحة و أخرى طالحة . و عندما يتوفاه الله , يذهب الى النعيم إذا كانت أعماله صالحة , أو الى الجحيم إذا كانت أعماله شريرة .  و يعمّر الإنسان 70 أو 80 أو 90 عاماً.  و من هذه الاعوام , يذهب من عمره 35 سنة يقضيها بالنوم , و 4 سنوات بالمرض , و 15 عاماً هي سنوات الطفولة غير المسؤولة . إذاً الأعوام القليلة الباقية من حياته هي التي يكون المسؤول عنها بالنسبة لسلوكه . 

” و من المؤكد أنه لا يستطيع أن يكون سلوكه مثالياً , إذ إن دنيانا حافلة بشتى المغريات التي تسقطه في أشراكها التي لا ينجو منها ناج . فالمرأة له بالمرصاد , تستهويه فيندفع في خضم الشهوات العارمة , و حب المال يكبله بكبوله التي لا تقاوم فيستعبده , والعظمة, و حب الوجاهة , و الكبرياء  الخ… جميع ما ذكرت تقوده الى مهاوي الهلاك المؤكد . 

” إذا! بالنسبة لما أكده مؤسسو الأديان , سيذهب البشر جميعهم الى جهنم النار المتقدة , و يمكثون مخلدين فيها من دهر الى دهر , و من أزل الى أبد . و هذا أمر غير جائز إطلاقاً , و ظلم رهيب؛ فرحمة الله عظيمة و عميقة . لهذا أعطانا فرصة إصلاح أنفسنا والإرتقاء  بأرواحنا , فمنحنا نعمة التقمص . و ربما أعطانا إياها 6000 مرة نعود فيها الىعالم الأرض , لنتغلب , في خلال هذه التقمّصات الألفية , على ضعفنا البشري , و الأرتقاء  بأرواحنا لنبلغ جنة النعيم .  

” ففي خلالا هذه التقمّصات الستة آلاف , ممكن لأي بشري أن يحسن سلوكه في خلال دوراته الحياتية , و تكرار ذهابه و إيابه . فإذا تكرر مجيئه 6000 مرة , و بقيت أعماله شريرة , إذاً يستحق , إذ ذاك , أن يخلد في جهنم النار الخالدة بنيرانها , و هذا يكون عدلاّ و حقاّ “. 

كذلك يمكن أن تتجاوز السيّالات الأرض , في انتقالها من تقمّص الى آخر , فتنتقل الى كوكب علويّ أو سفليّ , حسب درجة إستحقاقها. 

فعشرات هم الأشخاص النابهون , من مؤمنين بالداهشيّة أو غير مؤمنين , الذين شاهدوا الدكتور داهش عدّة شخصيّات , أي عدّة كائنات هي شبهه تماماً . وهي تجالسك وتحادثك ؛ لكنّها مع ذلك , ليست كائنات بشريّة , بل هي إمتدادات روحيّة لداهش تحيا  في كواكب علويّة متفرّقة من الكون , ودرجتها الروحيّة تفوق درجة البشر الى حدّ بعيد , ولذا فهي لا تخضع لنواميس الأرض. 

وليست تجسّدات السيّالات غير الأرضيّة مقصورة على شخصيّات الدكتور داهش , فقد حصلت تجسّدات أخرى عديدة أمام شهود كثيرين , ذكرت منها في القسم الثاني , من هذا الكتاب , تجسّد ندى (42) , وأكتفي , هنا , بذكر أحدها ”  

 

أحد سكّان الكواكب يتجسّد  

في مطلع آب 1942 , كان الدكتور داهش برفقة الأديب يوسف الحاج , والشاعر حليم دمّوس , في منزل الأخير في رأس بيروت . وفي الساعة العاشرة ليلاً , إنتصب رجل المعجزات في الغرفة المضاءة يحدّق من نافذتها الى السماء المتألقة بالنجوم . وما هي إلاّ لحظات , حتى تراءى أمام الثلاثة شبه ضبابة أخذت تقترب وتتكاثف تدريجيّاً , الى أن إنجلت أخيراً عن كائن أشبه بالبشر , إنّما أحمر الوجه , نافذ النظرات , متألّق المحيّا ؛ وأخذ يحدّثهم بسرعة عجيبة , ولغة غريبة لم يفهموا منها شيئاً . فتقّم الدكتور داهش , ورسم الرمز الداهشيّ المقدّس على فمه , فطفق يتكلّم العربيّة . 

ومما قال : ” إنّه أحد سكان عالم من العوالم التي لا تدركها الأبصار البشريّة , وسبق أن كان أحد أبناء الأرض , منذ بضعة آلاف من السنين . وما أن مات , مخلّفاً جسده طعمة للديدان , حتى وجد نفسه في عالم مجيد بهيّ ” . وبعد أن حدّثهم بأمور خطيرة كثيرة , أخذ يتلاشى , أمامهم تدريجيّاً , حتى غيّبه المجهول . 

بهذه المعجزات التجسّديّة أصبحنا نفهم ما عناه السيّد المسيح : ” إن في بيت أبي منازل كثيرة ” ( يوحنا 14 : 2 ) , وما قصده بولس الرسول : ” ومن الأجساد أجساد سماويّة وأجساد أرضيّة . ولكن مجد السماويّات نوع , ومجد الأرضيّات نوع آخر , ومجد الشمس نوع , ومجد القمر نوع آخر , ومجد النجوم نوع آخر ؛ لأنّ نجماً يمتاز عن نجم في المجد ” ( كورنثوس الأولى 15 : 40 – 41 ) . كذلك إتّضح معنى الآية الكريمة : ” فلا  أقسم بمواقع النجوم , وإنّه لقسم لو تعلمون لعظيم ” ( الواقعة : 75 و 76 ) . 

فالحياة تعمّ الكون بأسره , ذلك بأن الحياة هي المبرّر الوحيد لأي وجود . وما النعيم والجحيم سوى الكواكب والنجوم كلّها مرئيّها وغير مرئيّها . وتنقسم بلايين النجوم والكواكب الى 150 درجة علويّة و150 دركة سفليّة ؛ وتكوّن الدرجات عوالم النعيم , والدركات عوالم الجحيم . وكلّ درجة أو دركة تشتمل على ملايين الأجرام الماديّة ؛ كلّ جرم منها له أنظمته الخاصة وطبيعته وسكّانه . وفي سلم الحضارات الكونيّة يستوي الكوكب الأرضي على عتبة الدركات السفليّة .  

وقد حان الوقت لندرك بفضل الداهشيّة , أنّ الإنسان ليس مقياس الحياة , كما كان يظن ّ , ولا حتى مقياس مظاهرها العاقلة , ولا هو ذروة تطوّرها , إنّما الإنسان كائن بسيط ضعيف , ومظهر متخلّف نسبيّاً من مظاهر الحياة الكونيّة التي لا حصر لها . وعليه أن يعرف حدّه وقيمته في سلّم الحضارات الكونيّة التي لا يستطيع أن يرقى الى عظيم مجدها ومعرفتها وقدرتها ونقاوتها وسعادتها , حتى بالخيال . فإذا ما أدرك أن ميوله وأعماله في حياته السابقة هي التي أوصلته الى هذه المرتبة الذريّة بين الكائنات السامية , توجّب عليه أن يسعى الى ترقية ذاته في المعرفة الحقيقيّة والروحانيّة ؛ لأنّ أمجاد العوالم العلويّة لا تنال بصاروخ ولا بسفينة فضائيّة , لكن بإرتقاء روحيّ داخلي يؤهّل الإنسان بعد موته , للتجسّد في الكوكب العلويّ الذي يستحقّ . وإلاّ فأنّه إذا سفّل نفسه , وتشبّث بالدنيويّات , يضع ذاته في جاذبيّة العوالم السفليّة ,فتتجسّد سيّالاته , بعد موته في كوكب يعظم فيه الجهل , ويتفاقم الشرّ , ويشتدّ الشقاء والعذاب . 

وإنّما ما كنّا لنبصر شخصيّات الدكتور داهش والتجسّدات الأخرى , لو لم يأتي تجسّدها ضمن مقاييس الأرض . وهذا ما يفسّر عجزنا عن رؤية الروح كما هي , أو رؤية الملائكة وسائر الكائنات العلويّة على حقيقتهم . 

فالعلم نفسه أكّد أنّ الإنسان محدود إدراكه الحسّي بشبكة من الحواس له حدود عليا وحدود دنيا لا يمكنه تجاوزها . فالعين لا تبصر من الموجودات إلاّ التي تتراوح أطوال مويجاتها الضوئيّة بي 7600 و4000 أنكستروم في الثانية , والتي تتحرّك بسرعة أدنى كثيراً من سرعة النور التي تبلغ 300,000  كيلومتر في الثانية . والأذن البشريّة لا تسمع من الأصوات إلاّ التي تتراوح بين 15 ونحو 20,000 ذبذبة في الثانية . 

ولذا فالروح تبصرنا وتسمعنا , ونحن لا نبصرها ولا نسمعها . 

 

الحقيقة الخامسة :  

وحدة الأديان الجوهريّة  

روح الإله الواحد هو الذي أوحى الشريعة الى موسى النبيّ , وجعل المسيح مصدّقاً ومتمّماً لما قبله : ” لا تظنّوا أنّي أتيت لأنقض الشريعة والأنبياء , لكن لأتمّم ” ( متى 5 : 17 ) , قال السيّد . وهو الذي جعل القرآن مصدّقاً لما قبله : ” نزّل عليك الكتاب بالحقّ مصدّقاً لما بين يديّه , وأنزل التوراة والإنجيل من قبل هدى ً للناس ” (سورة آل عمران : آية 3 ) . 

وكما ألزم المسيح الإيمان بموسى طريقاً للإيمان به , بقوله :” فلو كنتم تؤمنون بموسى لكنتم تؤمنون بي , لأنّه كتب عنّي . فان كنتم لا تؤمنون بكتبه فكيف تؤمنون بأقوالي ؟ ” ( يوحنا 5 : 46 – 47 ) , ألزم القرآن المؤمنين الإيمان بالأنبياء جميعاً , دونما تفريق : ” إنّ الذين يكفرون بأللّه  ورسله , ويريدون أن يفرّقوا بين اللّه ورسله , ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض , ويريدون أن يتّخذوا بين ذلك سبيلاً . أولئك هم الكافرون حقّاً , وأعتدّنا للكافرين عذاباً مهيناً .  

والذين آمنوا باللّه ورسله ولم يفرّقوا بين أحد منهم أولئك سوف يؤتيهم أجورهم , وكان أللّه غفوراً رحيماً ” ( سورة النساء : آية 150 – 152 ) . 

هذه الوحدة الروحيّة الدينيّة نسيها البشر , أو تناسوها , ولا سيّما في هذه البلاد , بلاد الأنبياء . بأيديهم نسجوا غشاوة على عيونهم , خيوطها من المطامع الأرضيّة والمصالح الشخصيّة والطائفيّة . فإذا الإله الواحد  يتنازعونه آلهةً , ودين الروح الواحد يمزّقونه طوائف متنابذة متناحرة , مما دفع فئات من العاملين في القضايا الوطنيّة الإجتماعيّة , بعد أن يئسوا من العودة الى الوحدة الروحيّة , والعمل بجوهر الدين القائم على المحبّة والفضيلة , الى الدعوة لطرح الولاء الدينيّ جانباً , وإحلال الولاء الوطنيّ محلّه , أو للتخلّي نهائيّاً عن العقيدة الدينيّة وإتّخاذ الإلحاد مذهباً وسبيلاً . 

لا , ليس طرح الدين جانباً يحلّ معضلتنا ومعضلة الإنسان , ولا الإلحاد . أمّا أن لا نعبد إلهاً فذلك مستحيل , لأنّ الدين نماذج للنفس , لاصق بجبلّتها , إن حذفته من يقظتك , أطلّ عليك في نومك . إنّه حاجة نفسيّة جوهريّة , إذا لم يشبعها الإنسان بعث فيه خللاً وإضطراباً , من غير أن يدري  مصدرهما  .إنّها حقيقة يؤكّدها كبار علماء النفس , من أمثال كارل يونغ  c. G. jung السويسري , وولفرد دايم الألماني w. daim  , و شتوكار الفرنسي a. stocker.  فالذين يدّعون أنّهم يعيشون دونما آلهة متوهّمون يخادعون أنفسهم , لأنّهم لم يحذفوا من نفوسهم حقيقة الألوهة , بل قنّعوها وشوّهها . فبدل الإله الكامل , إله المحبّة والعدالة والحقّ , الإله الأزليّ الأبديّ , موجد الكون ومنظّمه مصدر الخلق وغايته , توهّموا خارجهم أو في ذواتهم آلهة ناقصة مزيّفة , يعبدونها من دون أللّه , وهم لا يدرون : نصّبوا من الدولة أو الوطن أو الحزب إلهاً , أقاموا من الأرض أو الطبيعة أو الحياة إلهاً , شرّعوا مطامعهم ونزواتهم وشهواتهم أصناماً يقدّمون لها العبادة . هؤلاء جميعاً يعيشون في وهم الحقيقة , لآنّهم إستبدلوا النسبيّ بالمطلق , والجزئي بالكلّي , والعرضيّ بالجوهري , والزائف بالحقّ , والزائل بالدائم السّرمديّ . ولذا فرؤيتهم للحقائق تكون مختلّة , ومقاييسهم للقيم تكون منحرفة , لأنّها تتأثّر بطبيعة المثل الأعلى  الذي يحرّكها ويهيمن عليها , وهو غير صحيح .  

أمّا جعل الدين في هامش الحياة , أو أللامبالاة به , أو منحه أهمّية ثانويّة , فذلك يؤدّي تدريجيّاً الى الإلحاد , وقد يكون شرّاً من الإلحاد ؛ لأنّه سيفضي الى النتيجة نفسها بعد أن يجمّد الذات ويبلّدها, ويفرغها من حرارتها , ويعيّشها في فتور الإيمان , الذي قال المسيح عن صاحبه – وما أكثر أصحابه اليوم – : ” إنّي عالم بأعمالك , أنّك لست بارداً ولا حارّاً , وليتك كنت بارداً أو حارّاً . ولكن , بما أنّك فاتر , لا حارّ ولا بارد , فقد أوشكت أن أتقيّائك من فمي ” ( رؤيا يوحنا 3 : 15 – 16 ) . 

ما الحلّ , إذن , يقول المتحمّسون للقضايا الوطنيّة الإجتماعيّة , أنبقي على العصبيّات الطائفيّة تقسّم الوطن أشلاء , ويدّعي كلّ منها ملكيّة اللّه والسماء , حتى نفقد الدين والدنيا معاً ؟ 

الحلّ أوحاه اللّه عزّ وجلّ , لكان على الأذكياء الأنقياء أن يأتوا به : إنّه العودة الى جذور الإيمان الصحيح بوحدة الأديان وجوهر تعاليمها , عبر رسالة روحيّة جديدة مؤيّدة بالمعجزات , أرادها الباري هداية لهذا العالم التائه في ضلالاته , وللبنان قبل غيره . 

فالروح الإلهيّ الذي يجري المعجزات على يدي الدكتور داهش , إنمّا يهبط من عليائه , ويصنع الخوارق بإسم اللّه والمسيح , وبإسم اللّه ومحمّد , وبإسم اللّه وموسى . فالأنبياء جميعاً أصابع الرحمة الإلهيّة منبسطة في هذه الأرض الشقيّة . 

في حضرة الروح الإلهيّ , وفي حضرة المعجزات , يشعر الإنسان أنّه أخو الإنسان , وأنّه لا فرق بين أبيض وأسود وبين غنيّ وفقير , وعظيم وحقير , ومسلم ومسيحيّ وموسويّ وبوذيّ … 

المسيحيّ يزداد تمسّكاً بتعاليم الروح عبر الإنجيل , والمسلم يزداد تمسّكاً بتعاليم الروح عبر القرآن , والموسويّ يزداد تمسّكاً بتعاليم الروح عبر التوراة , والبوذيّ يزداد إيماناً بتعاليم بوذا , ويتيقّن الجميع أنّ الروح الذي أوحى الى أنبيائهم وهداتهم إنّما هو روح إله واحد . عندئذ , يدركون أن الذي يفرّقهم ليس الخير , لكن الشرّ . وتكون عودتهم الى اللّه , على جسر من الإيمان النظيف , لا يقال عنه هو ” أفيون الشعوب ” ؛ إيمان يكون تجسيداً لحياة روحانيّة عمليّة لا نظريّة , تتحقّق فيها الفضيلة عملاً وقولاً وفكراً , ويتجلّى فيها التعاون والتحاب والتآخي والعدالة الإجتماعيّة بأجلى مظهر . فإذا امتنعوا عن الشرور , لا يكون إمتناعهم رهبة من القوانين البشريّة والروادع الزجريّة , لكن بدافع ذاتي منبثق من إرتقاء نفوسهم وقد سطعت فيها الحقيقة الدينيّة الواحدة , مجرّدة من الطقوس والقشور والطائفيّات التي زادها البشر عليها , وزادوا بها الحواجز والخصومات بينهم . 

وقد يحتجّ بعضهم قائلاً : لئن آمنّا بوحدة الأديان , فكيف نوفّق بين المتناقضات في العقائد ؟  

وجوابي أنّ الرسالة الداهشيّة قدّمت حلاّ لكل معضلة , حلاّ لم تخترعه إختراعاً , بل أوحته الروح حقيقةً منزلة . ولضيق المجال , أكتفي بعرض قضيّة خلاف واحدة بين المسيحيّين والمسلمين هي قضيّة صلب المسيح . ففي الأناجيل أنّه صلب , وفي القرآن : ” وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبّه لهم ” ( سورة النساء : آية 157 ) . فأيّ الكتابين على صواب ؟ الحقّ أنّهما كليهما على صواب ؛ لكنّ الحقيقة لا يمكن أن توضّح إلاّ من ضمن الداهشيّة , وتوضيحها يتمّ ببرهان مادّي محسوس . 

 

شخصيّات  الدكتور داهش الستّ 

لقد تبيّن لي , و لعشرات غيري أن للدكتور داهش ست شخصيات أخرى غير شخصه البشري ؛ و هذه الشخصيات كناية عن سيالات , أي قوى روحية هي امتدادات له كائنة في عوالم علويّة متباينة , و بإذن الله يسمح لها , أحياناً , أن تتجسد لإتمام أمور أو غايات روحيّة خطيرة , فتتخذ شكله البشري تماماً بحيث تصبح (شبهه) . و إذ ذاك , يمكن من كان حاضراً أن يجالسها و يحادثها , ويتحسسها , و يؤاكلها ؛ لكنه قد لا يستطيع أن يميزها عن داهش البشري , إلاّ إذا كانت ترتدي ثياباً مختلفة, و كان الناظر يعلم , سابقاً, ما يرتديه الدكتور داهش. و كثيرة هي المرات التي تظهر فيها فجأة , و تتوارى فجأة , بينما تكون أمامنا , و نحن ننظر إليها أو نسلم عليها .و قد يجتمع منها شخصيتان أو أكثر حتى الست , في مكان واحد , وقد تتجسد في اللحظة نفسها في أماكن مختلفة متباعدة . و قد تأكد لي و لكثيرين غيري , ممن شاهدوها أنها لا تخضع إطلاقاً لنواميس الأرض: فهي تخترق الحواجز و الجدران , وتنتقل لمح البرق من مكان الى آخر , و إن يكن من أقصى المشارق الى أقصى المغارب , وتسيطر على الجاذبيّة , فترتفع في الهواء و تمشي على الماء , وتثقل وزنها أو تخففه حتى تلاشيه ؛ و هي قادرة , بإذن الله , على صنع ما تصنعه الروح من معجزات . 

 

مصرع الدكتور داهش ثم بعثه 

ومن عجائبها الباهرة أنه في 28 حزيران سنة 1947 , ألقي القبض على إحدى الشخصيات في أذربيجان من أعمال إيران , فقتلت رمياً بالرصاص , و دفنت في البلد عينه , في أول تموز من العام نفسه ؛ و ذلك لأن فتنة دامية كانت قائمة في أذربيجان و لم يستطع الدكتور داهش إثبات هويته , إذ إن السلطات اللبنانية جردته من الأوراق الرسمية , بعد حكمها عليه بالنفي ظلماً . 

و قد نشرت الصحف في لبنان و جميع البلاد العربية نبأ مقتل الدكتور داهش و صور مصرعه . و أنشئت فيه مئات المراثي (43) . و مع ذلك , كان مؤسس الداهشية ما يزال بين أتباعه يعلم طرق الحق. أما شخصيته التي أعدمت في أذربيجان , فسرعان ما بعثت من الموت , لأن الموت غير قادر عليها ؛ فهي لا تخضع لنواميس الأرض , لأنها ليست من الأرض . 

و لو يرحب المجال , لكنت أذكر من الأحداث المفصلة عن ظهورها وإختفائها ما يملأ مجلداً . حسبي أن أذكر , من بين العشرات الذين شاهدوا تجسّداتها كما شاهدتها : الأستاذ إدوار نون و السيدة قرينته , و الدكاترة شاهين صليبي , و جورج خبصا و فريد أبو سليمان و نجيب العشي , و السادة جورج حداد , و بولس فرنسيس , و نقولا ضاهر , و إميل قساطلي , و أمين نمر , و حسن بلطجي , و السيدات ماري حداد , و زينة حداد , و ناديا غبريال, و هيلدا مراد, وأوديت كارّا , و ليلى مراد , و غيرهم و غيرهن كثير … 

فالأناجيل إذ تؤكد صلب المسيح , إنها تؤكد صلب شخصيّة من شخصياته ؛ لكن الإنجيليين , لسبب روحي لم يوضّحوا ذلك , إنما اكتفوا بالإشارة , بعد الصلب , الى  أن المسيح المصلوب بعث من الموت , و كان يظهر و يختفي أمام تلاميذه عدة مرات ؛ و القرآن الكريم , إذ يقرّر عدم صلب المسيح , إنما يعني  عدم صلب عيسى بن مريم الشخص البشري المولود , موضحاً أن الذي صلب إنما هو شبهه ؛ و ما شبهه إلاّ إحدى شخصياته .  

و هكذا نرى أن الداهشية , لا بالنظريات , و الآراء المتضاربة , بل بالبراهين الحسّية تظهر وحدة الإسلام و المسيحيّة و وحدة ما أنزل من قبل  ومن بعد.

 

  التعاليم الداهشية 

 يمكن تلخيص التعاليم الداهشية بالمبادِئ الأساسيّة التّالية: 

 

1– الله 

تؤمن الداهشية بأن الله هو القوة الموجـدة للكـون، معروفه ومجهوله، وهـو البدايـة والنهاية، وسر الحياة، ورب الثواب والعقاب، وأصل كـل معرفة وقوة ومحبة. إليـه يرفع الدكتور داهش والداهشيون صلواتهم، ومنه يطلبون الرحمة والمعونة، وفيه يرون أبا عطوفا لهم وللبرايا كلها. 

أما الألوهية فيمتنع الداهشيون عن البحث في ماهيتهـا، لأنهم موقنـون أنها وراء متناول الإدراك البشري، ولا ينتج عن زيادة البحث فيها إلا زيادة البلبلة الفكرية. 

 

.2 – عالم الأرواح 

هذا العالم هو بداية الخلائق ونهايتها، وهو العقل الإلهي المدبر للكون والضابط لنواميسه؛ وهو أزلي أبـدي، خارج عن قيود المادة الزمانية- المكانية. إنه مُكّونٌ من عوالم روحِيّة متألّفة من 150 درجة.   قوامه السماوات وكائناته الأرواح القدسية، أمهات الكائنات كلها، وهي نقية، مجيدة، خالية من كل شائبة ودنس أو أثر للمادة. ولذا لا يدخل عالم الكمال هذا إلا من بلغ الكمال الروحي.  

من أجل ذلـك، تؤمن الداهشية بـأن كـل كـائن يحب أن تكـون غايتـه السـعي، بمختلف الطرق، إلى الارتقاء الروحي المستمر، في سبيل التجرد من جاذبية النزعات المادية، لبلوغ العالم الروحي السماوي حيث السعادة الحقيقية المطلقة.  

فالإيمان بالله وبخلود عالم الروح هو الهدف الشامِل من جميع معجزات الدكتور داهش. كما أنّهُ كثيرون دخلوا بيته ملحدين أو متشككين ، ثم خرجوا بعد أن شهدوا معجزاته مؤمنين. 

 

فيما يلي مِثال على ذلك مِن بين مئات المعجزات: 

تكوين صحيفة قبل خمسة أيام من صدورها. 

 السيد فيليب حدشيتي شاب مثقف عاش رَدحاً من الزّمن في باريس حيث تأثَّرَ بالتيارات المادية الفكرية إلى درجة إنكار وجود الروح وكذلك وجود الله. 

ذات يوم ، في بيروت ، سمع عن معجزات الدكتور داهش ، فقام بزيارته في منزله ، في 28 نوفمبر 1943 ، من أجل التَّأكُّد بِنفسه من صحتها. وُعِدَ الزائر بجلسة روحية تتجلّى فيها قوة الله ، ولكنه لم يصدق بإمكانية حدوثها. في ذلك اليوم، كانت بحوزته الجريدة اللبنانية اليومية ، “Le Jour” المنُشورة بالفرنسية. جعَل يتصفّحها ، كاتباً في هوامشها أسئلة خطرت بباله كان ينوي طرحها خلال الجلسة المنعقدة. 

ووعقدت الجلسة الروحيّة أمام كثيرين . فسأله الدكتور داهش :  

  • هل تؤمن بألله  تعالى ؟ 

  • فأجاب فيليب الحدشيتي : أصدقك القول يا دكتور , أنني لا أؤمن بوجوده , وهذا كنت أقوله في باريس . 

  • وماذا تريد كي تؤمن ويظهر خطأك الفادح ؟ 

  • أريد معجزة . 

  • فأجابه : أنظر الى الجريدة التي معك . 

وعندما نظر الحدشيتي في جريدته مليّاً, صرخ من عظم دهشته . فالعدد الذي أحضره معه كان يحمل تاريخ 28 تشرين الثاني, فإذا به يجد العدد قد أصبح بتاريخ الجمعة في 3 كانون الأول أي قبل صدور العدد بأربعة أيّام والأسئلة التي دوّنها على حواشي الجريدة كانت ما تزال هي نفسها . وبعد أن صدر عدد 3 كانون الأول , قابله بالعدد الذي تكوّن بصورة عجائبيّة , قبل أربعة أيّام, فإذا هو نفسه بكلّ ما كان منشوراً فيه من حوادث وأنباء محلّية أو عالميّة . لقد كانت معجزة تكوينيّة تحمل في ذاتها ألوف النبوءات .  

دخل فيليب الحدشيتي منزل الدكتور داهش كافراً وخرج منه مؤمناً بقوّة اللّه القادر على كلّ شيء. 

 

3 – المسيح والأنبياء والهُداة 

تُمَيز الداهِشِيّة بين “المسيح” ويسوع الناصري. فَكلمة “المسيح” ، في الداهشية ، لا تشير لشخص يسوع الناصري المعروف عبر التاريخ باسم يسوع المسيح ؛ لكنّها تشير إلى القوة الروحية الإلهية التي تُشَكِّلُ  درجات السماوات العُلوِيَّة. هذه القوة السماوية هي نبع الحب النقي اللامتناهي ، وهي الطريق الأبَدِيّة الوحيدة المؤدية إلى الخالق. فَمِنَ المستحيل لأي روح اتّحادها  مع القوّة – الموجِدة قبل أن تَتَّحِدَ بقوة المسيح السّماوِيّة. إنّه في ضوء ذلك ، تُبَيّن الداهشية (مفهوم) المسيح الإله ؛ ومعنى ابن الله الأول ، وأنه روح الله ، ورَأس الخليقة. هذه التسميات لا تشير إلى كائن بشري ، ولكن للقوة السماوية العُلْيا نفسها. 

لهذه القوة الروحِيّة الإلهية السماوية  امتدادات في جميع العوالم المادية ، بما في ذلك الأرض. هذه الامتدادات التي تسميها الداهشية “سَيّالات روحِيّة” ، تجسدت في الأنبياء وبينهم موسى عليه السلام ، وَمحمد صَلّى الله عليه وَسَلّم، وعيسى الناصري عليه السّلام المعروف عبر التاريخ باسم يسوع المسيح. هذه السيّالات الروحية نفسها متجسدة أيضاً في الهُداة ، من بينهم لاو تزو ، وَكونفوشيوس ، وَبوذا، وَسقراط وغاندي. 

وفقًا لذلك ، تُؤمن الداهشية بأن السّيالات النبوية و الهادية لِجميع الأنبياء والهُداة هي مُنْبَثِقة من كائن إلهي واحد هو “المسيح”. ولكن تقع هذه السيّالات على درجات مختلفة من الارتِقاء الروحي، فالعالم الروحي السماوي الذي ينتمي أصلها إليه مُتكوّن من عدة درجات. 

بهذا المفهوم ، يتبدد الصراع الأساسي بين المسيحيّة والإسلام. يسوع الناصري (عيسى في القرآن الكريم) هو نبي بَشري. أما عن “المسيح” (القوة الروحية السماوية) ، التي يسوع جزءًا منها مثل كُل نبي آخر، تُعْتَبر هذه (القوة الروحِيّة السّماوِيّة؛ أي المسيح) إلهاً لأنه صورة الله. 

 

4 – الوحدة الجوهرية للأديان 

من خلال هذا المفهوم، وحدة الأنبياء والهُداة ، تنظر الداهِشية إلى جميع الأديان  كَفُصول في كتاب واحد – كتاب الهِداية الروحي. وأنّ بين هذه الفصول تكامل لا تناقض. 

كل فَصل منها يحتوي على جزء من الحقيقة الروحية ، وليس الحقيقة المطلقة كلها، وهو يمثل الحقيقة للمؤمنين المعنيين به، إذ إنه متعَلّق بمستوياتهم الفكرية والروحية؛ وتختلف الأديان وفقاً لمستويات المعرفة والروحانية عند كل شعب بعدد اختلاف الشّعوب، التي من أجلها، تختلف هذه الأديان بتعاليمها وممارساتها. لأن الله لا يُلْزم النفس بأكثر مما تستطيع تحمّله. 

هذه الوحدة الدينية الجوهرية ، حسب الداهشية ، لا تضم فقط الديانات التوحيدية ، أعني اليهودية والمسيحية والإسلام ، لكن تشمل أيضًا جميع الدّيانات الأخرى في أصولها، أي  قبل تحريفها بدخول المصالح الدنيوية والأوهام التي لا أساس لها فيها. إن الإخاء الدينيّ العالميّ ، الذي تنادي به الداهشية أصبحَ حاجة إنسانية لا يمكن التهرب منها إذا أرادت البشرية وأممها تجنب الحروب والصراعات المأساوية. 

فطوائف العالم لا تسير في هذه المساعي العظيمة والمهمة، لا بل تحاول اخفائها بدعوتها الناس إلى التعايش بِناءً فقط على الاحترام المتبادل للمعتقدات، أو على أسس التشابه بينها ولكن مع تجاهل الاختلافات الجوهرية. فتبقى نقاط الخلاف تلك وقودأً في إعادة إشعال جمر الصراعات ، والسّبب هو أنه لم يتم تبديد هذه الاختلافات عن طريق مُعتقد إيماني موحِّد. 

فالإيمان بالوحدة الجوهرية للأديان وبوحدانية الأنبياء هو السبيل  إلى الوحدة الإنسانية ، ومن خلاله, يسع الحب صدر المؤمن ليشمل المؤمنين من جميع الأديان. 

 

5- الحقيقة والأديان 

تؤمن الداهشية بأن الحقيقة المُطْلَقة هي القوة الموجدة نفسها، وأنّ صورتها لا تحيا إلا في العالم الروحي السماوي الذي يمثل صورة الله. فعبثًا يبحث العلماء واللاهوتيون والفلاسفة عن الحقيقة المطلقة الكاملة ، لأنها بعيدة عن متناول البشر. 

فالحقيقة على الأرض جزئية ونسبية في جميع الأديان وكذلك في العلم. وبالتّالي لا ينبغي أن تدّعي الأديان احتكار الحقيقة الروحية بأكملها، لأن ذلك مستحيل حتى بالنسبة لسكان الفردوس الذين ينتمون إلى الحضارات الكونية الأكثر تقدمًا. 

 

6. الحضارات الكونيّة أو النعيم والجحيم 

تفرق الداهشية بين السماء Heaven (ذات الوجود الروحي البحت والعظمة الإلهيـة والسعادة الروحية اللامتناهية) والنعيم Paradise المشتمل على عوالـم مـاديـة مجيـدة تتمتع بحضارات راقية جدا ذات أديان و آداب وفنـون وعلـوم واختراعـات لا يرقى إليهـا خـيـال البشر، وذات غبطة عظيمة وهناء معنوي ومادي كبير. والنعيم يضم بلايين النجوم والكواكب موزعة على مئة وخمسين درجة روحية.  

أما الجحيم فيشتمل على عوالم مادية تتقهقر فيها الحضارة ويعظم الجهل والغباء والعذاب المادي والمعنوي. وهو يضم بدوره بلايين الكواكب موزعة على مئة وخمسين درجة روحية.  

وتستوي الأرض على عتبة الجحيم الروحية.  

وليس محتوما أن تكون الإقامة أبدية، لا في النعيم ولا في الجحيم. ففي كل منهما تعترض الكائن مغريات وتجارب تكون بنسبة رقيه الروحي، وتبعـا للأنظمة الروحيـة الـتي يخضع لها عالمه. فإذا نجح في اجتياز التجارب والامتحانات، يرتقي إلى عالم ذي درجـة روحية أرقى، وإلا فإنه يعرض نفسه للسقوط بنسبة أعماله وأفكاره ونزعاته. 

إن تيَقُّظ الداهشي لتدني مُسْتوى رُتبة الأرض يجعله يدرك الطريق الشاق الطويل الذي عليه عبوره ، والكفاح  ضد ميوله الدنيوية السُّفلِيّة ، ليكون على استحقاق لِولوج عتبة الدرجة الفردوسية الأولى وبالتالي إلى درجات أعلى حّتى نهاية السبيل. 

بالنّسبة للداهِشية ، إن وجود الجنة والجحيم ، وبعبارة أخرى ، الحضارات الكونية، هي حقيقة لا جدال فيها.  

ولم يَكتف مؤسس الداهِشِيّة بوصف أحوال الجنة والنار في عدد من أعماله، بَل أيضا بَيَّنَهُ بمعجزات تؤكد هذه الحقيقة بشكل ملموس.  

يَتَمَثّل ذلك في المعجزة التّالية:  

 

تجسد ندى 

حدثت هذه المعجزة عام 1943 وكان شهودها عديدين؛ من بينهم الدكتور جورج خبصا  طبيب الأمراض الجلدية اللبناني الشّهير وأستاذ في الكلية الفرنسية للطب في بيروت، والسيد جورج حداد صهر رئيس الجمهورية اللبنانية آنذاك وزوجته الأديبة ماري حداد. 

بينما كانوا مجتمعين بحضور الدكتور داهش عقدت جلسة روحِيّة، فإذا بفتاة صغيرة جميلة تتجسد أمامهم فجأة، تحت النور الساطع. فَبُهِتَ الجميع، ظانين أنهم يتوهمون لكن الفتاة فاجأتهم بقولها: لا تظُنّوا أنكم واهمون ، فما ترونه هو حقيقة أكيدة. إن اسمي هو نَدى وقد أتيت من عالم مادي آخر إليكم “. فلم يُصَدّق الحضور عيونهم، حتّى سارَعوا إلى تحسسها بأيديهم ، فإذا هي لحم ودم كالبشَر . لكنها كانت تلبس فستاناً وتحمل حقيبة لم يكونا من الزي الدارِج في الناس سنة 1943. 

وبعد تسعة عشر عامًا ، تزور  الدكتور داهِش الفتاة نفسها، وقد أصبحت في عِداد سكان الأرض. وكانت في العمر نفسه الذي تجسدت فيه قبل تسعة عشر عامًا ، وتلبس الثوب عينه ، وتحمل الحقيبة عينها. 

وأوضح الدكتور داهش للمجْتَمِعين، إذ ذاك، وفيهم من شاهَدها قبل تسعة عشر عاما، أن هذه المعجزة الإلهية تؤكّد تأكيداً حاسِماً استِمرار الحياة وتقمّص النفوس، وانتقالها بعد الوفاة، من دور حياتي إلى دور حياتي آخر في الأرض، أو من كوكب إلى كوكب آخر، حسب درجة استحقاقها. 

 

7 –- السيّالات 

السيال هو وحدة طاقةٍ نَفْسَيّة ذات إدراك نِسبيّ، وإرادَة مُحَرّكة، ونزعات مختلفة، وخصائص وَظيفيّة. وقوام السيّال جوهر روحِيّ إشعاعي خالِد ليس بإلإمكان إدراكه إدراكاً حِسيّاً لإتّصافه بسرعة اهتِزاز فائقة، ولأن الإنسان محدود بشبكة من الحواس ذات حدود عُليا وحدود دُنيا لا يَسَعهُ تجاوزها. 

إن مواد الكون بأكمله  من كائنات، ومِن الذرات إلى المجرات ، هي سيالات روحية من مواد بنيوية وَبأشكال نِسبيّة. 

إنّ هذه السيّالات سواء كانت على الأرض – في الإنسان أو الحيوان أو النبات أو الأجسام غير العضوية – أو في النجوم والكواكب وجميع الأجرام السماوية ، لا تختلف عن بعضها البعض إلا في درجة سموها الروحي ، وفق خصائص وظيفية مسموح لَها بِها ضمن حدود وجودها المادي والقوانين الروحية التي تحكمها. 

من ناحية أخرى ، فإن جوهَر المادة – بجميع أشكالها ، وأحدها جسم الإنسان – هو سيال مكثف مُكوَّن من عناصر تأسيسيّة، بعضها اكتُشِفَ عِلْمِيّاً. وَلكن ، السيالات الروحية تتكون من عناصر تأسيسية أقل كثافة إلى حَدٍّ كبير ، ولم يتمكن العلم من اكتشافها ، لأنها لا تقع في نطاق إدراك الحواس ، ولا في متناول الأجهزة العلمية  ، التي بِجُمْلَتِها مُقَيَّدة بعناصر مادية تحكمها قوانينها. 

ونتيجة لذلك فإن هيكل السّيَّالات المادّي يوحّد الكون في “جوهره”.  

المعجزة التالية تُفَسّر هذه الوحدة: 

 

منح الحياة لطائر في لوحة 

السيدة ماري حداد كاتبة وفنانة  لديها العديد من اللوحات ، إحداها معروضة في متحف لوكسمبورغ في باريس. تمثل لوحة لها طائر جاثم على شجرة. ذات مرة ، قبل الاضطهاد ، حَدَث أن أخِذَ الدكتور داهِش بالروح ، وأشار إلى اللوحة ، وإذا بالألوان فيها تتحَرّك، وبالطّائر الذي في اللوحة تسري الدماء فيه ويكتسي ريشاً ثم يَقفز على حضن الفَنّانة. وضعته في قفص واحتفظت به هناك لِعِدّة سنوات. ومع ذلك ، فقد ظل مكانه في اللوحة فارغاً. إنّه لَمِنَ  الواضِح أن هذا السيّال قد أخذ شكله المادي في هيئة لوحة طائر جامد أوّلاً، ثُمّ بقوة إلهية  انتفَضَت الحياة فيه. 

لقد تم إثبات خلود السيّالات من خلال عدد كبير جداً من المعجزات التي قام بها الدكتور داهش. فعشرات هي المرات التي أحرقنا فيها أوراقًا مليئة بكتابات مدوّنة بأيدينا ، ليُعيدها الدكتور داهش إلى شكلها الأولي بقوة الروح القدس. 

 

 8- الروح والنَّفس 

 انّ السيّالات – سواء كانت في الانسان أم في غيره من الكائنات القاطنة في العوالم المادّيّة النعيميّة او الجحيميّة – هي غير الأرواح . فالأرواح كائنات الهيّة لا تخالط الأبدان ، ولا تشوبها أيّة كثافة مادّيّة ، لأن المادّة عرض نتج عن نقص ودنس طارئين ، بينما الأرواح موطنها عالم الكمال .  

وكلّ روح أمّ لسيّالات كثيرة انبثقت منها ، وهذه السيّالات كائنة في تجسّدات متفاوتة في درجات رقيّها الروحيّ ، ومنبثّة في عوالم مختلفة من النعيم والجحيم ، وهي ترتبط بأصلها الأمّ بوشائج اشعاعيّة غير منظورة .  

وتتأثر درجة الروح في عالمها بدرجات سيالاتها المنتشرة في مساحات الكون. فَكلما ازداد نقاء سيّالاتها، كان رُقِيّها أعلى. 

إن هدف الروح الأعظم هو اتحادها بأصلها السّماوِيّ (القوة الموجدة). ومع ذلك ، لا يمكنها تحقيق ذلك إلا إذا التم شملها بجميع سيالاتها (المنتشرة في العوالم المادِيّة من نعيم وجحيم)، ثم اتحادها بِقوة المسيح الإلهِيّة، وبالتالي بلوغ أعلى درجات السماوات. وبما أن كل روح تتوق للعودة إلى أبيها الخالق ، كذلك فإن كل سيال سامٍ ، سواء في البشر أو في أي كائن آخر ، لا بُدّ من تَوْقِهِ إلى روحه الأم. إنه من خلال هذه العودة فقط يَكْمُنُ خلاصها الحقيقي وسعادتها. 

أما نفس الإنسان فَما هي إلّا مجموعة سيالات حيوية. 

 إن السيالات المكوِّنة  للنفس  يختلف إحداها عن الآخر، إذ لكل سيّال خاصيّة ونشاط مستقل عن الآخر في كُلّ إنسان، وفق إمكانيّة تلك السيالات أن توجَد في انسجام مع بعضها البعض. ينعكس هذا الواقع في رغبات الفرد والدوافع التي قد تكون أحيانًا مضطربة وبعضها الآخر مُنسجمة كما في أفكاره إذ تكون مُتنافرة أحياناً، وأحيانًا أخرى متطابقة. وَنظراً لهذه الحقيقة ، من المُبرر القول أنّ شخصية الإنسان تتكون من مجموعة من شخصيات جزئية ، هي السيّالات ، وفي الوقت نفسه ، هي جزء من كيان روحي شامل ، منتشرة سيّالاته في مساحات هذا الكون؛ في النعيم والجحيم كما ترتبط أجزاءه الأخرى بالروح الأم.  

 

9-السببية الروحية 

لا وجود للصُّدْفة، على الإطلاق، في العقيدة الداهشية . لأن هناك أسبابًا لكل حدث أو حالة أو وجود. لكن وراء السببية المادية هناك سببية روحية محجوبة عن البشر ، وهي تَحكم الأفراد والمجتمعات وكذلك جميع الكائنات الأخرى. 

عندما نعاني من المرض ، فإننا نعزو السبب لبعض الميكروبات أو الفيروسات أو غيرها. إنها المادة الُمُسَبِّبَة. ومع ذلك ، عندما شفى يسوع المسيح الرَّجل المنبوذ لفترة طويلة قال له: “ها أنت قد بَرِئت فلا تُخْطِئ أيضاً لِئلّا يكون لك أشَرّ “(يوحنا 5:14) ؛ بهذا القول أشار إليه عن السبب الروحي. لذلك، إنّه يجب أن نبحث عن أسباب ما يصيبنا فيما فعلناه من مَعاصٍ. 

فما عليه نحن من حالات جسدية واجتماعية واقتصادية ونفسية وظروف وثروة وفقر وذكاء وغباء وأمراض ولامبالاة وسلام وحرب وكسب وخسارة ، وانجذاب متبادل أو نفور ، وحوادث سير وكوارث طبيعية في البر والبحر والجو ، إلخ … إنه لكل منها أسباب روحية مَحْجوبة عنّا ، ما يحدو بِنا لإسْنادِها إلى “الصدفة”. لكنّ  قاعدتها العامة هي واحِدة ، وهي الإستحقاق والعَدالة. 

تَجْري السببية الروحية وفقًا للقوانين الإلهية ، وتحدث على الأرض وفق قوانين الطبيعة السّائدة عليها. 

المعجزة التالية هي  مثال على ذلك: 

 

ارتفاع بطيختان في الهواء بقوّة غير منظورة ثم سقوطهما مُتَحَطِّمتين. 

بينما كان الدكتور جورج خبصا بِصُحْبَةِ الدكتور داهش وراء  صيدلية حمادة في بيروت- لبنان، إذا بِرَجُل الخوارِق يَرْتَعِش بالروح ويُخاطب رفيقه قائلاً: “انظر إلى هذا البائع الجوّال”. 

وكان إزاءهما ، على بِضعة أمتار  بائع أمام عربة عليها بطيخ. فأشار الدكتور داهش بيده ، فإذا بطيخة ترتفع  في الهواء، وتَقَع على الأرض مُحَطَّمة. ثم أعاد الإشارة ، فارتفعت بطيخة أخرى ، وسقطت مُحَطّمة. 

فسأله الدكتور خبص، متأثراً: لكن ، لِمَ ذلك؟ فهذا البائع مسكين ، وهذه الخسارة تكلفه غاليا “.  

أجابه الروح العَلِيُّ بِفَمِ  الدكتور داهش: “أجريتُ ذلك أمامك لِأعلمَكَ أن العدالة تجري على جميع الكائنات كبيرها وصغيرها، بِصورة طبيعية ، من غير أن يتنبّهوا لِكيفيّيّة سَيرِها. فهذا البائع، ربح  أكثر مِما يجب له في هذا النهار ، وربحه غير الحلال، وإن يَكُن ضَئيلاً خسِره بِتَحَطّم البطيختين. ولو لم أركَ ذك بالمعجزة، لِتتنَبّه، لَكانت العَرَبة سَقَطَت في حُفرة في من غير انتباه صاحِبها،  ولتدحرجَت البطيختان نَفْسُهما من فوقها وتحطّمَتا”. 

 

 10- التقمُّص 

يختلف مفهوم التقَمّص في الداهشية عن مفهومه في جميع المعتقدات الأخرى التي تؤمن به. فانطلاقا من المبدأ المبني على أساس أن النفس البشريّة ليست وِحدة كامِلة بل مجموعة سيالات مُتباينة الدّرجات، كما من مبدأ الإستحقاق العادِل، فإن كل سَيّال يخرج من جسد الإنسان ، سواء خلال حياته أو حِينَ موته ، يتقمص الجسد المادّي الذي يستحقه ، وبناءً عليه ينال السيّال السَيّئ عقوبته كجزاء، والصالح أجره. 

إن تَقَمّص السّيّال من شَكل دِنيوي لآخر في عالم الأرض داخل عوالم البشَر، والحيوان، والنّبات، والجماد قد يصل الى ستّة آلاف تقمّص قبل الحُكْم عليه (في حال استَحَقّ) بالسقوط في الجحيم؛ أي العوالِم السُّفْلِيّة . 

هذا النظام الروحي هو بلا شك رحمة للإنسان. فإذا طرحنا من مُدّة عمر الفرد الوقت الذي يقضيه في النوم (أي أكثر من ثلث العمر) ، والمرض ، والطعام ، وكسب لقمة العيش ، بالإضافة إلى خمس عشرة سنة وهي فترة الطفولة غير المسؤولة ، فلن يتبَقى من عمره أكثر من بضع سنوات ، وربما بضعة أشهر. إن هذا ليس وقتًا كافيًا للإنسان لينغمس في التأمل الروحي ، وتحقيق تنقية روحه ، والتغلب على ميوله المتجذرة العديدة. وبالتالي ، سيُحكم على الإنسان بشكل حتمي بالعذاب الأبدي. إن رحمة التقمص إذن تكمن في منح البشر آلاف الفرص لإصلاح أنفسهم.  وفي نهاية هذه الدورات ، إذا لم يتم تحقيق ارتقاء للروح ، فإن الحكم بالجحيم سيكون إذن عقابًا عادلًا. 

يُفَسِّر التقمّص إذن لماذا يولد الناس بعجز أو بِأمراضٍ وراثيةٍ أو طبيعية أو ظروف سيئة من الجهل أو العوز. لأن التجسد الحالي للإنسان ما هو إلا نتيجة أفعاله وميوله وأفكاره في حياته أو حيواته السابقة.إذ إنه في قدرة الإنسان ، من خلال الإرادة والجهد، تحسين ظروفه من سيء إلى أفضل. 

يرث الإنسان عند وِلادته السيّالات ال (psychomatic) النفسية والجسدية من كِلا الوالِدَين. فتشترك جميعها في نفس المولود، إلا السيّال الحَيَوي الرّئيس، (الذي يمنح الحياة للجنين) يكون منتمياً لأحَديهما؛ أي (إمّا لِسيّالات الأب أو الأم). وقد وَرَد في القرآن الكريم، سورة الرّد 11 ، (لا يُغَيُّر الله ما بِقومٍ حَتّى يُغَيّروا ما بِأنفُسِهِم) وبما أن سيّالات الأب والأم ممتدّة في الأبناء وأبناء الأبناء يمكن أن يُعاقَب الآباء على أعمالهم من خلال أبنائهم وأبناء أبنائهم. في ضوء هذا نَشْرَح وصيّة الله الثانِيَة لموسى عند حديثه عن الصّوَر والتماثيل “لاَ تَسْجُدْ لَهُنَّ وَلاَ تَعْبُدْهُنَّ، لأَنِّي أَنَا الرَّبَّ إِلهَكَ إِلهٌ غَيُورٌ، أَفْتَقِدُ ذُنُوبَ الآبَاءِ فِي الأَبْنَاءِ فِي الْجِيلِ الثَّالِثِ وَالرَّابعِ مِنْ مُبْغِضِيَّ” الخروج (20:5). ويُمكن للإنسان في حياته أيضاً أن يكتسب سيّالات أخرى تَرِدُ إليه من كائنات أخرى سواء أكانوا بَشَراً أم غير بَشَرٍ، إلا أن هذه السيّالات متصِلة روحِيّاً بسيّال الإنسان الرّئيس، وبمعنى آخر، هي خاصَّتهُ. وبالتّالي فإنّ كيان كُلّ فَرْدٍ هو امتداد (نفسي-جَسَدي) لِبَعض سيّالات أبويه، وامتداد نفساني لكائنات أخرى قد لا يعرفها.  إن علاقة الفرد بالآخربن رجالاً كانوا أم نساء تتأثّر بشكل كبير بمدى موقف السيّالات السابقة منهم ووفقاً لسلوكه معهم في تقمّصاته السابِقة، فالقاتِل يُقْتَل، والسارِق يُسْرَق، والظّالِم يُظْلَم، والجاني يتم الإساءة إليه، حَتّى تكون موازين العدالة متساوِية. 

 

11- السيّالات المختلِفة وإختلاف الأشخاص  

تختلِف السيّالات بين فردٍ وآخَر في العدد، والدّرَجة الرّوحِيّة، ومستوى الوعي والصّفات، ما يُفَسّر الاختلافات في الحالة الجسدية من صحة أو مَرَض، وأوجُه الاختلاف بين الرّجل والمرأة، وإختلاف النواح العقليّة والفَكرِيّة، وفي الميول والمَواهِب بين النّاس. هذه الاختلافات في السيالات موجودة حَتّى ضمن بيئات يشترك الناس فيها بذات المقَوّمات الاجتماعية والاقتصاديّة ، بَل وحتى ضمن الأخوة في عائلة واحدة خاضعة لنفس الظّروف الخارِجيّة، لأن ما يرثه طفل من والديه يختلف عَمّا يرثه أخاه أو أخته. 

 

12- الانجذاب المتبادَل و النّفور 

إن انتقال العناصر الأساسيّة من الوالدين للطفل لا يعني بالضرورة تساوي عدد السيالات المنتقلة منهما إليه، ولا في نوعها وفَعاليتها وجميع خصائصها، إذ قد يرث الطفل سِمات شخصيّته الرئيسية من أحد والديه دون الآخر تماماً؛ ومن هنا يأتي الارتباط اللاواعي القوي الذي يشعر به الطفل نحو أحد والديه، ما يعكِس وجود اشتراك “السيال الرّئيسي” بين الطرفان المرتبطان ببعضهما البعض. إن الظروف التعليمية والبيئية قد تزيد من قوة الارتباط هذا، لكنه لا يتَأتَّى من العَدَم لأن تأثير هذه الظروف في نهاية المَطاف هو لاحق وليس سابق لوجود الانجذاب النّفسيّ بين الطرفين ابتداء من تكوين الجنين في بطن أمه. 

وبالمثل ، قد يوجد بين عدد من الأشخاص ، وليس بالضرورة  أن يكونوا  من نسل أو نسب واحد ، سيّال مشترك ، وهذا ما يفسر في بعض الأحيان الانجذاب العاطفي أو الفكري المتبادل  في بعض الأحيان ، على الرغم من الاختلاف العائلي والجنسيات التي ينتمون إليها. لا يُعَدّ شَرح الانجذاب المتبادل من خلال تشابه الميول والأفكار بكافٍ، فهي ليست سوى تعبير، وبعبارة أخرى، نشاط محدد ناتج عن قوة داخِليّة في الإنسان، وهي السيّالات.  

من ناحِية أُخرى، فإن الجاذِبيّة المتبادَلة بين شخصين قد يُعْزى في الأصل إلى علاقة عاطفية مُتبادلة في تقمص سابِق، وقد حدث في الدورة الحالية أن استيقَظت مجدداً. 

قد يشبه هذا الاجتذاب المتبادَل اللاواعي علاقة الإنسان مع بعض الحيوانات، او النباتات أو أشياء غير عضويّة، دون أن يَتَسَنّى لَهُ فهم غموضها. أما تفسيرها فيتبع النّمط ذاته. أمّا بِخصوص النّفور اللاواعي الحادث بين فرد وآخر، فمَرَدّهُ إمّا إلى التّفاوتات الهائلة في درجات ميول سيّالاتهما، أو العداء الذي كان موجوداً في بعض سيّالاتهما في تقَمّص سابِق. 

مثال توضيحي في نبوءة مقتل الرئيس كِنِدي: 

تضاربت التفسيرات والتأويلات في مقتل الرئيس جون كِندي عن الدّافِع الذي أدّى بالقاتل لارتكاب جريمته، وبرغم ذلك لم يتم التوصّل إلى نتيجة كافية وقاطعة. إلّا أن الدكتور داهش كان قد تنبأ بمقتل الرئيس الأمريكي  قبل وقت طويل من وفاته. ولتجنب أي تعقيدات وعواقب ، فقد أَعْطَى رجل المعجزات نسخًا من النّبوءة المكتوبة لِعِدّة أشخاص، وحثهم على عدم إعْلانها على الملأ إلا بعد وقوع الحادثة. كان أحَد  هؤلاء الناس وزير الحكومة السابق السيد إدوارد نون الذي تم تسليمه نسخة من النبوءة في مغلف  احتفظ به في خزنته.  

وفي 28 نوفمبر 1963 ، طُلِبَ منه بحضور مجموعة من الصحفيين فتح الظرف الذي فيه النبوءة. فإذا بهم يجدوا أنَّهُ  يحتوي على التاريخ والساعة والدقيقة التي قتل الرئيس كينيدي فيها ، وكذلك عدد الرصاصات التي ستثقب جسده ، ومواضعها و واسم قاتله ، واسم قاتل قاتله ، ثم مدة مكوثه في المستشفى. وشرح الدكتور داهش سبب قتل أوزوالد لِكينيدي مشيراً إلى أنها عائدة لأسباب حدثت في تقمصات سابِقة. إذ أن كينيدي كان (في تقمّصه السّابِق) أبراهام لنكولن ، وكان قاتله بوث ، قاتِل لينكولن. فَبَقِيت دوافع القاتل المُعادية حَيّة في سيّالاته  بعد وفاته، فَجميع ميول السيّالات تبقى حَيّة.  فَعندما أعيدت للحياة مُجَدداً ، استيقظت ميوله العِدائيّة ما يبرر مشاعِره  العِدائية اتّجاه الرئيس، إذ ظَلّ تحت وطأة تلك الدّوافِع حتى قَتْله إيّاه. 

وقد نُشِرَت النّبوءة في جريدة “الجريدة” اللبنانية في 29 نوفمبر 1963. 

 

13- ميول السيّالات والتّوازُن النفسيّ 

بشكل عام ، لِسيّالاتِ كُل فرد ثلاثة أنواع من المَيوْل: روحي راقٍ ، و أرضي مادي،  وشرير . ولا يَتحقق التوازن النسبي داخل الذات ما لم يحدث تسلسل هرمي في الفرد بِحيث تُسيطِر إحدى السيّالات ذات النزعة الروحية الراقية على المجموعتين الأخْرَتَين. 

إن سيّالات الميول الرّوحِيّة (مثل الحب النقي ، الرحمة ، التواضع ، العفة ، القناعة ، الزهد ، التضحية بالنفس والكرم وشجاعة الروح) هي الوحيدة التي يتسنّى لها ترك الأرض إلى العوالم الفردوسيّة، أما السيّالات ذات الميول الأرضية (مثل الشراهة والجُبن والتباهي وخمول النّفس) فهي تبقى ضمن الجاذبية الروحية للأرض. أما السيّالات ذات الميول الشريرة (مثل الميل إلى القتل أو السرقة أو الإيذاء أو الحسد ، أو الكراهية ، أو الغطرسة ، أو الفجور ، أو الكَذِب ، أو السُّكْر ، أو البُخْل أوالجشع) فهي تَضَع نفسها بشّرها وانحرافها ضمن جاذبية العوالم الجحيميّة الدُّنيا. 

 

14- قيمة الأعمال بنوعية دوافعها  

إن الأعمال الصالحة كالإحسان إلى الفقراء، ونشر الإيمان باللـه بين الناس، والصلاة، والصوم وغيرها، جميعها من شأنها أن ترقي سيالات الإنسان إذا اقترنت بدوافع سامية. ولكن هذه الأعمال نفسها إذا كان الدافع إليها حب الظهـور ونيـل المجد الـدنيـوي، أو غير ذلـك مـن الدوافع الخسيسة، فإنها تفقد معناهـا السـامي وجزاءها الروحي.. 

 ألم يقل يسوع الناصري عن المُتباهين من المُحسنين ، و الذين يصلون ويصومون ويقومون بما يفعلونه للمجد الدنيوي: “لقد نالوا أجرهم” (متى 6: 3 ، 6 ، 17) 

 

15- الرحمة والنّعمة 

      معاملة الله تعالى للبشر قاعدتها العامّة هي العدالة ، فما يزرعه الانسان ايّاه يحصد . ولكن السماوات رحيمة , ورحمتها لا نهائيّة . ولذا كان التقمّص للناس . وتتجلّى الرحمة الالهيّة بمظاهر كثيرة ، فقد تكون في تأجيل العقاب الخاطىء واتاحة فرصة التوبة أمامه ، أو بتلطيف العقاب بتوزيعه على أزمنة متعدّدة ، أو بابداله بآخر ، أو في غير ذلك . لكن الرحمة ، في رأي الداهشيّة ، لا تعني اطلاقا محو الخطيئة نهائيّا وازالة العقاب ، والاّ اختلّ ميزان العدالة الالهيّة . أمّا النعمة فهي مساعدة روحيّة خاصّة يمنحها المستحقّون فقط . ولا يكون الاستحقاق الاّ ببذل الانسان جهدا مميّزا لاصلاح نفسه وترقيتها بقيامه بأعمال ساميّة الأهداف، أو بنزوع نفسه منزعا روحيّا طويل الأمد .  

 فبحسب الداهشية ، النعمة المجانية غير موجودة. لقد جاء فداء المسيح  لِخاصَّتهِ ، لأولئك الذين يؤمنون به، ويُنِّفذون وصاياه؛ أولَئكَ الذين أحبهم وصلّى إلى الآب السّماوي لأجلهم ليحفظهم  من الشرير، لأنهم، حَفِظوا كلماته (يوحنا 17). 

وَمن ناحية أُخرى ، فإن شفاء يسوع للمرضى في فلسطين لم يكن عشوائيا. لأنّه لم يشفِ كل المرضى بل أناساً مُعَيّنين ، أولئك الذين، استحقوا، نعمة الشفاء  بعد فترة من المعاناة. كان المرضى الذين كانوا عند بِرْكَة باب الخراف في القدس كثيرين ، وكلهم تاقوا  إلى الشفاء بمعجزة ، ولكن الناصري اختار من بينهم واحِداً لم يعرفه سابِقاً ومن لم يتوقّع  شِفاءَه على يديه: وهو ذلك الذي كان منبوذاً لِفَترة طويلة. 

 

 مصاب بالشلل والجنون وامرأة مُصابة بالبَرَص يتم شفاءهما بقوة الروح 

ما حدث على يد يسوع المسيح حدث على يد الدكتور داهش أيضاً. إيلي معلوف ، طفل لبناني ، أصيب بالشلل والجنون ولم يُجْدِ فيه أيّ دواء.  ولهذا حمله جده ووالدته إلى الدكتور داهش يطلبان منه بقلوب صادقة أن يشفي الطفل. فَحدث أن شفاه الروح على يده في لمحة. 

 ميريام مزراحي ، امرأة فلسطينيّة ، كانت مصابَة بالبَرَص الرّسمي في القدس. وقد خضعت للعلاج لفترة طويلة إلّا أن المرض الرهيب كان الغالب إذ ساد على جسدها لفترة طويلة ، لكنه تغلب عليها وساد على جسدها إذ تَهَرّأت أناملها وأنفها وبعض شفتيها وأذنيها، وأصبَحَت في حالَة يائسة وسحنة رهيبة. وإذ بَلَغتها أنباء  معجزات الدكتور داهش ، قَصَدتهُ بِصُحْبَةِ شقيقها. فَعُقِدَت جلسة روحية حضرها أكثر من ثلاثين شخصاً من المُثَقّفين،  بينهم خمسة أطباء هم: عبد الأحد ، وخوري ، وَعشي ، وَأبو سليمان ، وخبصا جميعهم تَثَبَّتوا من مرضها المستعصي. كان رجل الروح قد وجه دعوته إلى جميع أطباء لبنان. ومع ذلك ، كانوا مُتَخوّفين من الحضور. وفي الجلسة الرّوحِيّة، لَمس الدكتور داهش بيده جسم المريضة، فإذا اللحم الجديد يَبْرُز ؛ والفراغ في الجِسم يمتَلِئ، وكل عضو مُبْتَلى يتعافى، والهيكَل الذّاوي الذي يُناديه الموت يستعيد نَضارته. لم يكن لهذان الشفاءان المُعجزان وعشرات من المعجزات الأخرى أن تحدث  على يد مؤسس الداهشية  لو لم يستحق الأشخاص الذين تم شفائهم نعمة الشفاء. 

 

 16- الموت والولادة      

     يحدث الموت للانسان عندما يغادره السيّال الحيويّ الأخير . لكنّ الموت ، في أغلب الأحيان ، يحصل بصورة تدريجيّة في سياق عمر الانسان . فكلّما غادره سيّال من سيّالاته ، تناقصَت طاقته الجسديّة أو المعنويّة . ولحظة الموت يحدّدها النظام الالهيّ للانسان ، منذ ولادته ، بنسبة تقمّصاته السابقة ودرجة سيّالاته . لكنّ الانسان يمكنه أن يقدّم لحظة موته أو يؤخّرها ، بنسبة ما تكون أعماله الاراديّة الحرّة قد عملت، في خلال حياته الراهنة ، على انحطاط درجته الروحيّة أو رقيّها . وليس الموت فناء ، بل هو انتقال السيّالات من شكل الى آخر .  

      وعندما يتحرّر السيّال من قيود الجسد ، تحدث له يقظة روحيّة . يقول الدكتور داهش :” الموت يقظة فتّانة يحنّ اليها كلّ من صفت نفسه وسمت روحه ، ويخافها من كثفت افكاره وكثرت أوزاره …”  

      وفي العوالم الأخرى ، خارج الأرض ، يختلف شكل حدوث الموت باختلاف الأنظمة التي في كلّ عالم . فقد يكون الموت اختفاء فوريّا لشكل الكائن ، أو تقلّصا تدريجيّا حتّى التلاشي ، أو غير ذلك .  

      أمّا الولادة ، فلا يولد انسان في الأرض ما لم يكن لأحد أبويه سيّال بدرجة الأرض ، أو سيّال يتاح له أن يهبط الى الأرض ، والاّ فالمولود لا يأتي .  

      أمّا في العوالم الأخرى غير الأرضيّة ، فتختلف كيفيّة الولادة باختلاف أنظمة العوالم الكونيّة ، شأنها شأن الموت . وقد تكون من التجسّد المفاجىء ، أو بطريقة القدوم من كوكب الى كوكب آخر ، أو غير ذلك .  

 

17- الانظمة الروحية الكونية النسبيّة 

إنّ القوانين الطبيعية ، مثل الجاذبية وغيرها ، ليست سوى جوانب من النظم الروحية الكونية ، التي كان للعِلم فرصة اكتشافها. وكما أن قوة الجاذبية من كوكب لآخر نِسْبِيّة ، كذلك  النظام الروحي فهو نسبي أيضاً. 

إنّ مفهوم الخير والشر نِسْبيّ. وما هو مشروع وغير مشروع  يُعَد نِسبياً. فبعض الناس تهتز ضمائرهم عند قتل عصفور ويعتبرونه جريمة ، بينما لا تتزَحْزَحْ ضمائر آخرين عند قتل انسان. 

لقد زاد يسوع الناصري من التزامات المسيحيين ومسؤولياتهم ، لأن مستواهم الرّوحِيّ قد صار مختلفًا عن مستوى العبرانيين. وهكذا ، أصبح الغضب من أخ بمقام القَتل، والنظر إلى امرأة بدافع الشّهوة بِمَقام الزّنا (متى 5)؛ إذ تكون الشرائع أكثر تشدّداً وفقاً للقسوة في قلوب الناس. 

هذه النسبية الواضحة ضمن عالم الأرض تزداد نسبةً في العوالم الأخرى. علاوة على ذلك ، فإن نوعية الإغراءات المادية التي تؤدي للسّقوط  روحيّاً هي نسبيّة أيضًا وتختلف بشكل كبير من كوكب لآخَر. لذلك ، فإنه إذا ما ارتقى إنسان روحيا  عليه التّنبه  إلى مسؤوليّته في مساعدة الآخرين في ترقية نفوسهم وفي وإحياء ضمائرهم. بعبارة أخرى ، ينبغي أن يكون أكثر تفهما وتسامحا تجاههم. 

 

18. حفظ الأشكال وتسجيل الأفكار وتصوير الأعمال 

 

      من الحقائق الداهشيّة أنّ كلّ كائن حيّ بل كلّ شيء يكون له نموذج يحفظ روحيّا في عوالم خاصّة بعد انطلاق سيّاله الحيويّ وزوال شكله . كذلك يكون لكلّ عمل صورته، ولكلّ فكر أو رغبة أو حلم تسجيله ، جميعها تحفظ في تلك العوالم شهودا على حياة الكائن وسلوكه وأعماله ، بحيث لا يضيع شيء ممّا وجد ، مهما كان تافها .  

فيما يلي معجزة تُفسّر ما سبق: 

تجسد حمامة نوح مجدداً 

في 11 يونيو 1943 ، عقدت جلسة روحية حضرها الأديب  يوسف حجار وزوجته ، و مؤرخ الداهشية حليم دمّوس. وحدَث أنه عندما أخْذ الدكتور داهِش بالرّوح  أن بدأ الحاضرون يسمعون رفرفة أجنحة غير مرئية ، تبعها مباشرة تجسد حمامة بيضاء كالثلج ظهرت فجأة في فضاء الغرفة المُغْلَقة. ثم حَطّت على كتف السيدة حجار وفي منقارها غصن زيتون أخضر يقطر ماءً. أوضح الروح العَليّ على لسان الدكتور داهش أن هذه الحمامة هي نفسها حمامة نوح ، وان سيّالها حُفِظَ في عالم خاص بعد وفاتها، وكذلك الماء القاطِر منها، إذ أن سيّالها قَد حُفِظَ بعد زوالها، وهكذا الحال مع جميع الكائنات طُرّاً بعد موتها. 

بقيت الحمامة في منزل الرّسالة الداهِشيّة  أكثر من ستة أشهر ، حيث جعلت تطير في الغُرَف، وتهبط أحياناً على أكتاف الإخوة والأخوات ، وتأكل من أيديهم بطمأنينة ولٌطف ووداعة. ومع ذلك، فقد حدث صباح يوم 27 كانون الأول (ديسمبر) 1943 ، أن شاهد المجتمعون الحمامة العجيبة  تحوم حول رأس رجل الروح فجأة،  ثم جعلت تحوم في فضاء البيت، فوق رأسه وكَتِفيه، وفي كل مرة يَصْغُر حجمها ، وهكذا جعلت تتضاءل شيئاً فشيئاً… حتى أصبحت بحجم النحلة الصغيرة ، ولكن على شكل حمامة ؛ وبعد لحظلت، أصبحت صغيرة إلى درجة لم تعُد معها أعْيننا لتتمكّن من رؤيتها.  وكانت هذه هي الطريقة التي عادت بها إلى العالم الذي نزلت منه. 

علاوة على ذلك ، فوجئنا في كثير من الأحيان ، عند زيارتنا الدكتور داهش ، بِرؤيته يكشف لنا محادثاتنا وهي مسجلة حرفيًا ، وخواطرنا غير المُعلَنة مكتوبة بِدقّة،  وأوضاعنا الجسديّة  مُصَوّرة بالتفصيل ؛ على الرغم من أننا كنا في وقت محادثتنا ، أو تفكيرنا ، أو تصرفنا، في بيوتنا البعيدة عنه. 

 

19. الانسان والكون 

      تؤمن الداهشيّة بأنّ سيّالات البشر متحدّرة من الانسان الأوّل الذي سمّي آدم. وآدم ، قبل أن تجسّده المشيئة الالهيّة في الأرض ، كان مجموعة كبيرة من السيّالات الملائكيّة الكائنة في مختلف درجات النعيم . وبعد عصيان للأوامر الالهيّة اشتركت فيه هذه السيّالات ، حكم عليها بالهبوط الى الأرض مجتمعة في كيان بشريّ هو آدم .  

ومن سيّالات آدم كانت حوّاء ، ومن الاثنين تناسلت البشريّة الجديدة …..وقد جرى أن قَضى الناس في الطّوفان ولم يَسْلَم أي منهم إلا نَسل نوح. 

 ولهذا فإنه من المستحيل أن يكون الإنسان  أكثر الكائنات رقيّاً، كما لا يمكن أن تكون الأرض نقطة ارْتكاز الكون. 

      ومن أجل دفع الحضارة الانسانيّة الى الأمام ، سمحت المشيئة الالهيّة لسيّالات الأنبياء والهُداة والحكماء والمُصلحين الحقيقيّين أن تعمل عملها الخيّر في الأرض ، ولكنّها سمحت أيضا لكائنات تنتمي الى عوالم أخرى أكثر رقيّا أن تزور الأرض من حين الى آخر ، وتسهم في تلقيح البشر بسيّالات تساعد على رقيّهم الحضاريّ عن طريق الاقتران ببعض بناتهم .  

      ومن هنا نشأت الأساطير الميثولوجيّة الأولى التي لا تخلو من نواة واقعيّة فسّرها البشر حسب قدراتهم العقليّة ، وأحاطوها بنسيج أخيلتهم .  

      وبعض الآثار الحضاريّة الكبرى التي ما تزال ماثلة للعيان في العالم، منذ آلاف السنين ، هي من آثار تلك الزيارات الكونيّة ، ومنها هياكل بعلبك .  

      وفي العهد القديم من الكتاب المقدّس إشارات الى التدخل الكونيّ ، منها ما ورد في سفر التكوين ( 6:1-4)  عن أبناء الآلهة الذين اتّخذوا من بنات الناس نساء لهم ، ومن نسلهم كان الجبابرة والأبطال العظام في الأزمنة السحيقة . ومنها ما ورد في الفصل الأوّل من سفر حزقيال عن المركبة الفضائيّة العجيبة التي حطّت أمام النبيّ . وبرأي الداهشيّة أن من ظنّهما لوط ملاكين انّما هما رسولان أرسلهما حاكم أحد الكواكب الراقية في مركبة نوريّة ، وذلك بأمر الهيّ ، فدمّرا سدوم وعمورة بعدما تمادى سكّانهما في الرذائل ، ورفضوا كلّ انذار روحيّ .  

وكما سمح للإنسان إجراء اختبارات على المخلوقات الأرْضِيّة كذلك سُمح لسكّان بعض الكواكب ذوات الحضارات المتقَدّمة المتخطّية حضارة الأرض بأشواط بعيدة بإجراء اختبارات على البَشر ومخلوقات الأرض. 

      في هذا الضوء ، لا بدّ للإنسان العاقل من أن يفهم حقيقة منزلته بين الكائنات الكونيّة ، ويعدل عن الغرور والتألّه .  

 

20- أدوار التكوين والرسالات الروحية: 

تؤمن الداهشية بأن الأرض مرت في أدوار تكوينية كثيرة كانت الحياة تندثر فيهـا لتعود فتنتشر مجدداً. هذه الأدوار التكوينية الحضارية تبلغ، حسب الوحي الروحي الداهشي، 760 دورا استغرقت عشرات الملايين مـن الأدوار التي سبقت دورنـاالتكويني الحالي الذي بدأ بنوح. 

 كل دور كان ينتهي عادة بالوصول إلى درجة عالية من التقدم العلمي والتكنولوجي، وبظهور رسالة روحية جديدة تكون البداية لدور آخر. وآدم الذي يشير إليه سفر التكوين سبقته عشرات من تجسداته في الادوار التكوينية السابقة. والداهشيون يؤمنون بأنهم في ختام الدور الحالي، وليس أدل على ذلك من تخزين أسلحة الإبادة الشاملة. 

 ومع ذلك ، ما دام عالمنا صالحاً للحياة ولم يباد بعد، ستستمِر الدورات الحياتيّة وظهور الرسالات الروحيّة  طِبْقاً لِنِظامٍ إلهي، إذ ليس هناك من إنتهاء لمجئ  للرسالات الروحية إلا عند انتهاء الحياة وزوال الأرض. 

 

21- الانسان والكائنات الأرضيّة 

      لكلّ كائن دوره الخاصّ في دورة الحياة الكونيّة ، فلم يخْلَق عبثا أيّ كائن مهما كان تافهاً في عين الانسان .  

ولئن كان الانسان يغتذي بكثير من الحيوان والنبات، فإنّ جراثيم كثيرة تغتذي منه ، وتتوالد على حسابه وهو حيّ ، وديدان الأرض تغتذي منه بعد موته .  

      وكتابات الدكتور داهش حافلة بمناجاته الأزهار والأشجار والأطيار وعناصر الطبيعة القويّة والجميلة . وهذه المناجات ليست من قبل المجاز والاستعارات الأدبيّة . انّها معايشة واقعيّة لتلك الكائنات والعناصر . فالداهشيّة تؤمن بأنّ الأطيار ومختلف أنواع النبات ، بصورة عامّة ، تتمتّع بسيّالات راقية قد تفوق ، أحيانا ، سيّالات البشر . كما أن ما ورد في كتابات عباقِرة الشعراء الفلسفية الروحيّة في ما يخص الأشجار والطيور, ولو كان اكتشافها بطريقة حدسية، لَهُوَ حقيقة روحية بالنّسبة للداهشيين. ثُمّ إن تشديد مؤسس الداهِشيّة  في كتاباته على أهمية تعاوننا مع هذه الكائنات ، ما يَحُثّنا في الواقع على إقامة ترابط معها مثل ترابط الناس مع بعضهم البعض؛ وَبعبارة أخرى ، أن نكون خيّرين معها ونأخذ الإفادة منها. 

كل دورة حياة للإنسان هي عبارة عن حلقة في سلسلة متصلة ببعضها بعض ، لكن لا يمكن للإنسان تذَكُّر حياته الماضية ، لأنّ سيالاته المتجمّعة  معًا في السابق ستكون مُشَتّتةً حاليّاً (في تقمّصه الحالِيّ)، باستثناء أحدها أو بعضها. وهكذا ، فإنّه يمكن مقارنة كيان الفرد في تقَمّص واحد بِورقة كُتبت عليها قصة حياة ثم تمزقت إلى قطع صغيرة وتناثرت. فاذا حدث أن وَجَدْتَّ قطعة ممزقة تحمل حرفًا أو كلمة ، لن تكون قادرًا البَتّة على معرفة القصة كاملة. 

من ناحية أخرى ، فقد مَنح النظام الإلهي الحيوانات  مَلَكَة تَذَكُّر حوادث ما سَبَق من تَقمّصاتها لمعرفة أسباب تقمصها الحالي كحيوانات ، فَتَجَنّبها الوقوع مرة أخرى إلى ما يؤدي إلى مثل هذه الأسباب. وبالتالي ، ما يمَكّنها من رَفع درجتها الروحِيّة. وهذا ينطبق أيضاً على حيوانات ذات الدرجات الروحية الأدنى من الإنسان. 

في بداية السبعينيات، نُشرت عدة دراسات عِلميّة مهمة عن قوة الإدراك في النباتات وعن مشاعرها، وذلك بعد نشر عشرات الكُتُب حول ذات الموضوع بما يخص الحيوانات. والداهشية قد أكّدت ذلك منذ تأسيسها في أوائل الأربعينيات. إنّه لَفي روايات الدكتور داهش أمثلة  توضيحية كَثيرة عن حياة الحيوانات والنباتات والأشياء غير العضوية وعن ذكائها ومشاعرها ومسؤولياتها الروحية الخاصة بها. 

 

22 – حرية الانسان والمشيئة الالهية 

لا تُؤمِن الداهشية بوجود قدر خارجي  يُخْضِع الإنسان لقواعد جائرة ، حيث يتلاعب بشكل تَعسُّفِيّ بِمصيره ، إذ إن مَصير كل إنسان يسير وِفق إستحقاقات  سيالاته مِن دورة تقمصية سابِقة لِأخرى. 

إنه لَمِنَ العَبث إذن أن يلوم الإنسان مسؤولية ما يحدث إليه عازياً الأمر إلى الله عَزّ وَجَلّ او إلى الأقدار. إذ لا يمكن أن يُصيبه شيء دون اسْتحقاقه ولا يحصد الا ما زَرَع عن إدراك وإرادة حرة.  

لكن حُرية الإنسان مقيدة بالنظام الروحي الذي يُدير الأرض وكائناتها. إذ على سبيل المِثال قد يجاهد الإنسان ، على مستوى المعرفة ، لاكتشاف الأدوية وطرق مكافَحة أنواع مختلفة من الأمراض. ومع ذلك، إذا ما قُدِّرَ لبعض الناس الموت بسبب مرض مُعَيّن، لن تسمح الإرادة الإلهية باكتشاف دواء فعال لعلاجه. 

وَعلى صعيد السّلوك، وكمَثَل على ذلك، للمجرم الحُرِيّة الكامِلة لاتخاذ قرار قتل جاره، لكن إن لم تَحِن ساعة موت جاره، فَسَتُنْقِذُه العناية الإلهية دونما شك بطريقة أو بأُخْرى. 

في ضوء ذلك، فإن عواقِب الزّلازِل، والكوارِث الطبيعية، والحروب، ينبغي إدراكها، فهي تصيب أفراداً دون غَيرهِم، فالاستحقاق هو ما يفسّر كُل مَوقِف.  

إن هذا لا يَمنَع تَدَخّل الإرادة الإلهِيّة في شُؤون النّاس، عند الضَّرورة، لكن دون خرق لِمَبدأ الاستحقاق. وبين معجزات الدكتور داهش عدد كبير يُوَضِّح ذلك.  

توضّح المعجِزة التالية هذا المبدأ: 

 

حَرَكة مُتَزامِنة قامَ بها المِئات:  

في عام 1971 كان الدكتور داهِش في مِصر. في أحد الأيّام، وفيما كان في السيّارة، في أحد شوارع القاهِرة العريضة مع عدد من أصدقائه من بينهم السيدة زاهِد، وهي سيّدة مُثقفة. حدث فجأة أن ارْتَعَشَ الدكتور داهِش بالرّوح فقال: ” انظروا هناك”. وفجأة، بدأ مئات المصريين السائرين بالرّكض. جميعهم دون استثناء أحد، كباراً وصِغاراً، رجالاً ونساءً، كلهم يَجْرون بنفس الطريقة. 

 وقد أحْدَث هذا المشهد الغريب موجة ضَحِك للناظِرين، بقدر ما جلب من دهشة.  

بعد بضع دقائق، أشار الدكتور داهِش بيده نحو الحشد الرّاكِض وإذا بهم يعودون  إلى مشيهم الطبيعي الهادئ. وتَكرّر هذا المشهد لِمَرّة ثانية. ثم قال رجل الروح لأصدقائه: “لقد أريتكم هذا الظّاهِرة لإظهار كيف تصير الناس كآلات إذا ما أرادت الروح إلهامَهم للقيام بعمل مُعَيَّن. والقوّة التي جعَلَت مئاتاً تسير بنفس الطريقة،  بإمْكانِها أن تُحرّك مِئات الآلاف والملايين بِفِكْرَ معين حيث تَدْفَعهُم إما إلى حرب أو سَلام  وذلك وِفْقَ استحقاقهم، وبدون أن يُدْرِكوا أنَّ وَراءَ أفعالهم قوة روحية غير بشرية. يتم تقديم الأسباب المناسبة في أذهانهم بعد ذلك ليقَوموا بِما يجب عليهم فِعْلهُ “. إنَّهُ في قدرة الله، إذا شاء ، توحيد العقول والقلوب ، لكنه يعطيهم الحُرية حتّى يكون استحقاقهم بنسبة أعمالهم عادلاً  كَمُكافأة أو عقاب. 

 

23- الفضيلة والذكاء 

الفضيلة شرط أساسي لخَلاص السيّال من جاذبية العوالم الجحيميّة. ومع ذلك ، إن اصْطُحِبَ السيّال بالغباء فلا تَحْريرَ لهُ من عالم الأرض. 

لا يمكن لسيال طابعه الغباء ولوج  العالَم الفردوسي حتّى وَلو اصْطحِبَ بسلوك صالح.  فالتَّقَدُّم الروحي الحقيقي يجب أن أن يكون جامِعاً للمَيل والفِكْر معاً. وبما أن كُل سيّال له ميولهُ الخاصة به وكذلك مُستواه الخاص من ناحِيَة قوة الإدْراك ، فَلن يُسمَح له من التّحرر من جاذِبيّة الأرض الروحِيّة لِدخول الفردوس بفَعل ارتقاء  ميوله وحْدها. ومع ذلك فسيّال الغباء لديه فرصة لتحسين نفسه من خلال تقمّصات عديدة ، ليكون مستحِقّاً بلوغ عوالم الفردوس. 

للمرة الأولى في تاريخ الأديان ، تؤكّد رِسالة على أهمية الجمع بين الفضيلة والذكاء لنيل الخلاص. يُعتَبَر أهل الجنة كائنات ذوات ميول روحية متفوقة وذكيّة كذلك. 

 إنَّ الفضيلة ممارسة واعية حَيّة؛ وَإذا لم تكُن مصحوبة بإدراك واعٍ فلا مَعْنى لها. لذلك فإن تمتمة الصلاة بطريقة آلية ودون تفكير لا قيمة لها ، كما أن كل مُمارسة دينية لا تؤدي إلى الرُّقِيّ الروحي الحقيقي في جوهر السيّال لا قيمة لها. 

 

24- الحرية والعدالة: 

 “من كلمات الدكتور داهش… 

” الداهشي يرى أن الدفاع عن (الحرية) واجب سماوي مقدس. فهو يستميت في سبيل الذود عن ذمارها، لأنها  ( هدية) الخالق لخلائقه من مختلف الملل، و شتى النحل.” 

بناءً على هذا المبدأ ، حارب مؤسس الداهشية بقوة استبداد الرئيس (بشارة الخوري) ولم يكُفّ حتّى أسقط الشّعب هذا الطاغية مِن السُّلْطة. 

إن الداهشية مع الحرية المُطلقة للأفراد والشعوب، وضد كل أنواع القهر والظلم ، كما أنها لا تَقبل بأي قيود على الحُرية باسْتِثناء الأخلاقية منها بمعناها الواسع ؛ أي ما يؤدي الى إلحاق الضّرر من النواحي الجسديّة والرّوحِيّة للآخرين. إنّ الفُجور الأخلاقي، إذا ما كان تحت حماية دولة ما، فسيقَوِّض الفضيلة والفِكر معاً. بعبارة أخرى، سَتُلْغي أي احتمالية لتقدّم حَضاري. إن العدالة لَهي شَرط إلهي، كالحُرِيّة، حيث لا ينبغي على أي شخص نَزيه ونبيل الروح الصّمت اتجاهها. فَإذا أصاب بعض الناس الظّلم، تدعوهم الداهِشية إذ ذاك لمقاومة الظّالِم مُتَسلّحين بالحق، والشجاعة الرّوحِيّة، والجهاد، فَمَنْ كان الحق بجانبه كان الله مُعينَهُ. 

نقرأ في كلمات الدكتور داهِش التالي:  

“الشعب الخاضع الخانع لحكامه الظالم يجب أن يقرن بالنير عوضا عن الأبقار والحمير.” 

“القاضي الذي يخضع لرئيسه المجرم فيحقق له طلبه الأثيم ويظلم البريء، من العدالة أن يشوى حيا! ” 

علاوة على ذلك ، تتجاوز الداهشية الحدود الضيقة لمفهوم القومية ، لإيمانها بأن الدورة الحياتِيّة  القصيرة لا تقتصر على الحدود المادية للبلدان. فالتحوّل الجاري عبر التقمصات والدورات الحياتِيّة ، على استمراريتها وشموليتها ، تُذَوِّب الأمم والشعوب في قالب واحد خالطةً فيه المجتمعات والجنسيات. إن الداهشية تدعو  إلى العدالة الإجتماعية ولِلتعاون بين الأمم والى الاخوّة الإنسانية العالمية. 

 

المراجع:

١- كتاب “مدخل إلى الداهشية” ،الدكتور غازي براكس.

٢ – “معجزات الدكتور داهش ووحدة الأديان”، الدكتور غازي براكس .

٣ – ” الداهشية حقيقة روحية تؤيدها المعجزات”، الدكتور غازي براكس. 

٤- أضواء على الدكتور داهش والداهشية, الدكتور غازي براكس.

 

error: Content is protected !!