اللقاء المثير بين الدكتور داهش والدكتور رؤوف عبيد أشهر الباحثين فى علم الروح
بقلم الروائي سامح الجباس
فى عام 1964 أصدر الأستاذ الجامعي المصري الدكتور رؤوف عبيد كتاباً ضخماً بعنوان “الانسان روح لا جسد”.
حقق هذا الكتاب نجاحاً كبيراً فى جميع الأوساط.
لكن لنعرف أولاً من هو الدكتور رؤوف عبيد مؤلف هذا الكتاب المثير للجدل؟
د/ رؤوف عبيد
– وكيل كلية الحقوق جامعة عين شمس
مؤلفاته فى علم الأرواح :
1- الإنسان روح لا جسد
الجزء الأول: الخلود حقيقة وضعية 1964
الجزء الثاني: الخلود والقضايا العلمية
الجزء الثالث: الخلود والقضايا الفلسفية
2- التكوين الروحي وأسرار السلوك بعد التحول من السيكولوجي الى الباراسيكولوجي في مجلدين 1971
3- عروس فرعون وشوقيات جديدة من عالم الغيب 1971
4- في العودة للتجسد : بين الإعتقاد والفلسفة والعلم 1976
5- الإتصال بين عالمين 1981
6- ظواهر الخروج من الجسد 1984
والآن ماذا عن هذا الكتاب :
يتصدر هذا الكتاب قصيدة يزعم الدكتور رؤوف أن أمير الشعراء أحمد شوقي أرسلها اليه كتحية عن طريق وسيطة روحية وذلك بعد وفاة أمير الشعراء بأكثر من إثنين وثلاثين سنة!
والقصيدة الطويلة بها بعض الأبيات (الطريفة) مثل :
ووفيت العهود لذي ” حقوق”
من الرواد من نثروا البذارا
فكنت بهم ” رؤوفا” اذ تواسي
مواجعهم وقد ذاقوا المرارا
واضح جداً من خلال هذين البيتين ذكر اسم ” رؤوف ” ووظيفته كأستاذ فى كلية “الحقوق”.
أما السطر الأول في (الباب التمهيدي) من الكتاب فيكتب د/ رؤوف :
(لو أن أي إنسان قال أمامي قبل سنة 1974 إن الحياة بعد الموت حقيقة مقررة , وأن الصلة بين عالمي الروح والمادة قد ثبت علمياً لرميته فوراً بالتعلق بالخرافات الساذجة التي لا يصح قبولها فى القرن العشرين, عصر العلم والعرفان , ولرميته بالتالي بكل ما يمكن أن يرمينى به الآن – سراً وجهراً – أعداء هذا النوع من المعرفة.
فما الذي جرى كيما أمسك بالقلم للكتابة فى مثل هذا الموضوع؟ …….
إن الذي جرى هو أنني بحثته – بحثاً كافياً فيما أعتقد – طيلة هذه السنين الطويلة على اعتبار انه مجرد دعوى مطروحة على مكتبة العلم , والبينة على من أدعي..)
حقق هذا الكتاب بجزئيه الذين تتقارب صفحات الواحد منهما 700 صفحة نجاحاً كبيراً حتى أنه طبع منه أكثر من طبعة فيما بعد.
وكانت له أصداء عند الكثير من الصحفيين والمثقفين المصريين , وسأستعرض بعض نماذج منها للدلالة على أهمية ونجاح هذا الكتاب:
فقد كتب الصحفي الكبير أحمد الصاوي محمد , وهو رئيس تحرير جريدة ” الأخبار” فى 6 سبتمبر سنة 1964:
( وإنني اذ أحب أن أهنىء المؤلف بشجاعته فى اصدار هذا الكتاب القيم , وأهنئه بما بذل من الصبر الجميل والعكوف على درس كل ماكتب أو نشر فى عدة لغات فى شئون الروح …)
وكتب الكاتب وديع فلسطين فى مجلة ” الطالبة” فى أكتوبر 1964:
(ولقد خرجت من تلاوة هذا الكتاب الجليل القدر النفيس المادة بشعور عام بطمأنينة النفس , مرجعه الى أن العلم الروحي الحديث قد استطاع أن يقهر حقيقة الموت والفناء , وأن يؤكد حقيقة الخلود والبقاء , فازداد المرء اطمئناناً الى قدره ومصيره ..)
وكتب د/ عبد العزيز جادو , صاحب ورئيس تحرير مجلة ” الشاطىء” مقال في مجلة ” الأديب ” اللبنانية فى أكتوبر 1976 جاء فيه :
( ولقد بذل المؤلف بالحق في هذا العمل الضخم جهداً كبيراً فى سبيل خدمة أخطر حقيقة وصلت اليها جهود العلماء وأكثرها ارتباطا بالإنسان فى حاضره وفى مستقبله على السواء , وكيما يحقق غايته المرجوة فى تعريف القارىء تعريفاً صحيحاً بأهم الجوانب العامة فى علم الروح الحديث. )
وكتب الكاتب الكبير محمد زكي عبد القادر, رئيس تحرير جريدة الأخبار فى 2 مايو 1976:
( … العصر عصر العلم ما في هذا ريب , فلتصبح الروح ايضاً مادة للبحث العلمي لها معاهدها ومدارسها وكلياتها ….واعتقد أن ما عالجه المؤلف يستحق الاهتمام من كل المعنيين باللأبحاث العلمية , والمعنيين بسلامة الانسان عقلاً وروحاً.)
وكتب الكاتب مأمون غريب , وهو ذو ميول إسلامية , فى مجلة ” آخر ساعة ” فى 24 فبراير 1971:
(أما الأديان فقد قطعت الشك باليقين بأن العالم الآخر حقيقة لا تقبل الشك عند المؤمنين , وأن الروح خالدة بعد فناء الجسد . وقد أذهلني بالفعل الدكتور رؤوف عبيد فى كتابه “الإنسان روح لا جسد” وهو يستعرض المناهج العلمية فى هذه الدراسة , ثم يسوق التجارب المختلفة التي أجريت في هذا الميدان , وكيف تم تصوير الأرواح المتجسدة عن طريق مادة الأكتوبلازم . )
أما الكاتب الشهير أنيس منصور , وهو المهتم بهذه النوعية من الكتابات عن الأرواح , فقد كتب فى جريدة ” الأخبار” فى 23 ابريل 1971 :
(والمؤلف من أكثر الناس اهتماماً بعلم الروح, … وهو واحد من مئات العلماء في العالم الذين يؤمنون بهذا العالم العجيب الغريب الأكيد : عالم الروح ..)
وكتب أحمد عبد المجيد السفير السابق والمندوب الدائم بجامعة الدول العربية فى سلسلة ” إقرأ” فى ديسمبر 1972:
( هذا الكتاب حجة عما يملكه الإنسان من قوى خفية للإستشفاف بالسمع والبصر . ومرجع ثابت في هذه الشئون التي ما إن فهمتها حتى استبان لي كل ما كان يغمض علي من ظواهر خارقة . )
***
وأقول أنا أن الكتاب يحتوي على الكثير من الصور – الغير واضحة – عن تجسد الأرواح والكتاب يركز على دور الوسطاء الروحانيين .
حيث يقول فى صفحة 94 من الجزء الأول :
(ودور الوسيط هو – فحسب – دور من يمكنه الاستسلام لقوة واعية غير منظورة , قد تريد طواعية أن تُظهر نفسها بصورة ما للجالسين , عن طريق السيطرة على جانب من وعي الوسيط متى أمكنها ذلك …)
ويبدو أن أصداء الكتاب قد وصلت الى لبنان حيث قرأه الدكتور داهش , الذي حرص عند زيارته الى مصر عام 1971 أن يبادر الى لقاء الدكتور رؤوف عبيد دون سابق معرفة بينهما.
ويسجل الدكتور داهش فى يوميات هذه الرحلة تفاصيل هذا اللقاء كما يأتي :
فى 28 آذار 1971 :
{ كانت السابعة إلا ربعاً ليلاً, عندما اتصلت بالدكتور رؤوف عبيد , وليس لي به أية معرفة سابقة .ولكنني كنت قد طالعت كتابه الضخم ” الإنسان روح لا جسد ” بجزءيه , وكل جزء منه 900 صفحة , وهذا الكتاب يبحث عن الروح ويذكر أسماء وسطاء روحيين مشعوذين.
قلت للدكتور رؤوف:
أنا لبناني قدمت الى القاهرة , وأحب أن أجتمع بك لأني طالعت كتابك الإنسان روح لا جسد , وكذلك كتابك ” عروس فرعون”
فسألني عن اسمي فقلت له : ” السيد عشي “
فرحب بي وقال :
” انا أنتظرك فى الثامنة مساء , ومنزلي فى حدائق القبة بشارع مصر والسودان .”
استقليت سيارة أجرة فى تمام الساعة الثامنة إلا ربعاً , وذهبت بها الى حدائق القبة , فوصلت الى منزل الدكتور رؤوف عبيد فى الثامنة والربع ليلاً, فأحسن استقبالي.
وكان يجلس وراء مكتبه فى غرفة فيها خزائن تغص بالكتب . قلت له :
” دكتور , هل تؤمن بما كتبته عن عالم الروح والوسطاء الروحيين؟
قال :
” وكيف أكتب عن شيء لا أؤمن به ؟ “
قلت له :
” ولكن الوسطاء الروحيين الذين ذكرتهم ماهم إلا مشعوذون ودجاجلة”
قال :
” ليس الجميع “
قلت له :
” بل الجميع. أما من ذكرتهم بكتابك وهم علماء أعلام مثل : آلان كاردك , والسيد أوليفر لودج , ووليم كروكس وفرويد والسيد آرثر كونان دويل وغيرهم , فلا شك بأن قصدهم البحث عن الحقيقة , لكن خدعهم الوسطاء الروحيون المزعومون , وما هم إلا دجاجلة أفاكون, لا قيمة لخزعبلاتهم التافهة على الإطلاق. “
قال :
” انا أوافقك على انه يوجد 75 بالمائة دجاجلة , و 25 بالمائة صادقون”
قلت :
” لا , فليأتونا بظاهراتهم الروحية إن كانوا صادقين , وإلا فهم أفاكون , وسيبقون هكذا حتى يوم الدين. “
وأخيراً, وبعد مجادلات عقيمة لا تجدي نفعاً , قمت أمام الدكتور رؤوف عبيد بظاهرة الكتابة بالهواء, وظاهرة معرفة رقم الجنيه , اذ سلمت الى الدكتور غلافاً صغيراً مقفلاً , وطلبت اليه أن يُخرج من جيبه جنيها ففعل فقلت له :
” الآن افتح الغلاف وانظر رقم الجنيه خاصتك.”
ففعل واذا بالرقعة الموجودة ضمن الغلاف قد دوُّن عليها ما يأتي:
(إن الجنيه الذي سيخرجه الدكتور رؤوف عبيد من جيبه هو من النوع القديم وليس من النوع الجديد , وهذا الجنيه مرسوم على وجهه رأس كرأس أبي الهول , ومن الجهة المقابلة كتب رقم واحد بالإنجليزية , ثم الحرفان التاليان L.E.
ثم كتب رقم الجنيه فى أسفل الرقعة).
وعند انتهاء التجربة قلتُ للدكتور: ” لقد قلت لك أنني السيد عشّي , ولكني أقول لك أنني الدكتور داهش”
وقفز الدكتور عن كرسيه وقال :
” هل انت هو بالذات؟ ”
قلت : ” نعم , انا هو ”
أجاب :
” يا الله كم انا مسرور الآن . لقد قرأت عنك الشيء الكثير , وكل ما كتبه المرحوم حليم دموس عن ظاهراتك طالعته بتدقيق تام, وصدقني بأنني كنت أنوي الذهاب الى بيروت لأتعرف عليك , وأجتمع بك وأشاهد ظاهراتك الخارقة التى شاهدت الآن منها ظاهرتين باهرتين. “
ثم نهض وأحضر لي كتابه ” الإنسان روح لا جسد ” المطبوع هذا العام بجزءيه , طبعة ثالثة مطولة ومجلدة , وقدمهما لي كهدية , وكتب عليهما الاهداء, ثم نهض وأحضر لي كتابه الآخر ( عروس فرعون) وهو يحتوي على قصائد زعمت الوسيطة حرم الدكتور سلامة سعد أنها تلقتها من روح أحمد شوقي أمير الشعراء.
وماهذه المزاعم إلا سفسطات هرائية تبعث على الضحك الشديد , كما تدعو للأسف العميق على من يؤمن بأمثال هذه التوافه السخيفة .
وشكرت الدكتور عبيد على هديته , وأهديته بالمثل كتابي (مذكرات دينار) وقلت له :
” عندما نجتمع , سأدعك تلمس لمس اليد دجل الوسطاء الذين تسميهم روحانيين , وما هم إلا مشعوذون , بل لصوص يجب قطع دابرهم , فليس بمقدور أي منهم أن يدعك تلمس لمس اليد ظاهرة روحية على الإطلاق , وما مزاعمهم إلا خيالات وهمية وتخرصات إفكية.
كانت الساعة العاشرة ليلاً , عندما ودعت الدكتور رؤوف عبيد الذى قال لي :
” سأزورك فى الساعة السابعة مساء الغد , وأني بشوق وتلهف لمشاهدة المزيد من ظاهراتك الروحية المذهلة “
***
ولكن اليوميات التي سجلها الدكتور داهش فى الأيام التالية وحتى انتهاء رحلته الى مصر بعد هذا اللقاء بحوالي شهر لم تشر أبداً الى حدوث أى لقاء ثان بينه وبين الدكتور رؤوف عبيد .
لماذا؟ لا أعرف
لكن هل توقف الدكتور عبيد عن طريقه بعد هذه الزيارة آخذاً بنصيحة د/ داهش؟
الإجابة : لا
بل استمر يصدر هذه النوعية من الكتب بعد ذلك فأصدر :
في العودة للتجسد : بين الإعتقاد والفلسفة والعلم 1976
الإتصال بين عالمين 1981
ظواهر الخروج من الجسد 1984
هناك الكثير من الأسئلة تتبقى حول هذا اللقاء:
لماذا خالف الدكتور رؤوف عبيد وعده بالإتصال ومعاودة لقاء دكتور داهش؟
ولماذا ظل يؤمن بدور الوسطاء الروحانيين ومنهم تلك السيدة التى تحل فيها روح أمير الشعراء أحمد شوقي ؟
ولماذا لم يذكر الدكتور رؤوف في كل كتبه كلمة واحدة عن الدكتور داهش؟
أعتقد انه مازال هناك الكثير من الأسرار التى تحتاج الى من يكتشفها.
لكني أعتقد أن السر يكمن فى هذه العبارة البارعة التى كتبها دكتور داهش عن هذا اللقاء وهي :
(…وأخيراً, وبعد مجادلات عقيمة لا تجدي نفعاً …)
لقد أدرك الدكتور داهش أن الدكتور رؤوف يجادل مجادلات عقيمة بلا فائدة وأنه يتظاهر بالاهتمام بنصيحة الدكتور داهش لكنه لسبب ما في نفسه , تجنب اللقاء مرة أخرى بالدكتور داهش.
وسار الاثنان فى طريقين مختلفين تماماً.
مع أني أشعر أن هذا ليس كل ما جرى, لكن من يعرف الحقيقة؟
***