أنطوني وريتشاردز*
واحتدم الصراع بين أميركا وروسيا، ولعلعت أصوات الصواريخ والقذائف وشتّى أنواع الأسلحة الفتّاكة المدمّرة وهي تحصد الأرواح بجبروت وجنون غير عابئةٍ إن كانوا أطفالاً أو شيوخاً أو نساء.
وتسمّر القائد الروسي أنطوني في الخرائط الحربية يحاول جاهداً بناء خطةٍ محكمة يضرب فيها أعدائه ويغيّر عبرها مسار الحرب لمصلحة بلاده.
كما حاور الضابط الأميركي ريتشاردز معاونيه وهم يخططون لكيفية إستخدام أشرس أنواع الأسلحة لقتل أكبر عددٍ من الروس، وتشاوروا في توقيت إستعمال الأسلحة النوويّة المبيدة، صائحين “علينا وعلى أعدائنا” إن لزم الأمر وليكن ما يكون.
فشهدت ساحات الوغى تصاعداً مرعباً في حدة الحرب، فتناثرت الدماء، وبُترت الأعضاء، وبُقرت الأمعاء، وتشرد الملايين بعد أن تهدّمت بيوتهم ومعها أحلامهم وآمالهم، فعمّ البؤس البلاد الروسية والأميركية وذاب الأمل بالصلح والسلام، وانتشر الخراب بعدما أضحت الأراضي قفراً يبابا.
وفجأةً ظهر نورٌ بهيّ في السماء انجلى عن ملاكين رائعين ذي جلال ووهجٍ إلهيّين. ولم ترهم عيون البشر التعساء إذ كانت منهمكةً بالقتل وسفك الدماء.
وخاطب الملاك رفيقه قائلاً:
“واحسرتاه على البشر المساكين الجاهلين للحقائق الروحيّة الخالدة والمنغمسين في حمأة رغبات القتل والإنتقام والذبح والتهجير والتشريد. فهم لو عرفوا حقيقة ما يفعلون لصعقوا صعقاً ولصدموا صدمةً مدويّةً.”
فقال الملاك الثاني:
“هو ما قلت يا أخي العزيز،
لقد سمح الله أن تعطى لنا المعرفة الروحية وها نحن نرى ما لا يرون وندرك ما لا يدركون.
لقد علمنا روحياً أن القائد الروسي أنطوني كان أميركياً في تقمّصه الماضي، وكان عندها عالماً نوويّاً ممّن شاركوا في تطوير تلك الأسلحة الشيطانية الهادمة للحضارة البشرية، وكان في نيته إستخدامها ضد أعدائه الروس وقتها، فإذاه في التقمص الحالي يولد روسياً يدافع عن روسيا من الأميركيين ويعاني من فتك تلك الأسلحة التي طوّرها بنفسه لقتل من ظنّهم أعدائه وهم الآن أهله ومواطنيه.
فيا لسخرية الأقدار ويا لجهل الإنسان الصارخ!
كما علمنا أن الضابط الأميركي ريتشاردز كان في تقمّصه الماضي قائداً أعلى للقوات الروسية وقد انخرط في العديد من المعارك والحروب ضد الأميركيين منكّلاً فيهم، قاتلاً آبائهم وأمّهاتهم وأطفالهم.
وكم كان يشعر بالفخر والزهو بالإنتصار بعد معاركه العديدة، وها هو الآن يولد أميركياً يقتل الآباء والأمهات والأطفال الروس، ومن أغرب الغرائب وأعجب العجائب أنه يشعر الآن مجدّداً بالفخر ذاته بعد أن كان المدافع الأول عنهم، فلا يدري أنه يقتل رفاقه وأهل بلده السابقين.”
ثم أكمل الملاك الأول: وها نحن نرى بالعين الروحية أن الأمر ذاته ينطبق على الجنود والمواطنين أنفسهم. فالعديد منهم كانوا في تقمّصاتهم السابقة تابعين للبلد الثاني، وها هم بإسم الوطن والوطنية يقتلون بعضهم البعض وما هم بالحقيقة يقتلون سوى أهلهم ومواطنيهم وعائلاتهم ورفاقهم وانفسهم.
فهذا الحقد الذي تولده الحروب ليس سوى وهماً زائلاً وظلاً حائلاً لأنه حقد نحو الذات نفسها وكرهاً لذات الهوية، ولكنها تظن في جسدها الترابي أنها هويّات مختلفة متنافرة متناقضة، فإذاها تنكّل بحالها وتشرب من دمها، وهم جميعاً واحدٌ.
وأكمل الملاك الثاني:
“وما ينطبق على هذا الصراع ينطبق على جميع الصراعات الأخرى،
فالفلسطنيين والإسرائيليين هم سيّالات بعضهم البعض ويحاربون أنفسهم ويعذّبون ذواتهم، فحيناً تكون الغلبة للأول وتارةً للثاني، ولكنها غلبة واهمة غير حقيقية، فالإسرائيلي يقتل الإسرائيليين الذين هم في تقمّصهم الحالي فلسطينيين والعكس بالعكس، ولكن المسؤولية عاتقها أكبر على من له اليد العليا والأقوى،
ففي هذه الدور وفي القرن الحالي، على الإسرائيليين والذين أوصلتهم الأقدار ليكونوا أقوى عسكرياً أن يعدلوا مع الفلسطينيين ويتشاركوا معهم الأرض بعدلٍ وحق، فهم، إن فعلوا هذا، يكونون قد عدلوا مع أنفسهم ووفروا على انفسهم عذابات وآلام هم بغنى عنها تطالهم في التقمصات القادمة، ويرتقون عندها في سلّم الروح الإلهي.
إذ إن العدالة الالهية تأبى إلا أن تتمّ، فبهذا يكونون قد رحموا ذواتهم وأولادهم وإلا فدوّامة العنف والقتل والعذاب ستبقى إلى ما لا نهاية.
كذلك على الفلسطينيين أن لا يدعوا الحقد والكره يتملّكا قلوبهم، إذ أنهم سيتقمّصون في الجانب الإسرائيلي وسيتعرّضون لذات التجارب.
فإن سلك الطرفين طريق العدل والمحبة وكبتوا رغبة الإنتقام، إذ ذاك يرتقوا بأنفسهم جميعاً ويعودون روحاً واحدة وقلباً واحداً.
فخلاصة الأمر هو أنهم شعبٌ واحد وهوية واحدة وذات واحدة تتجلى وتتجسد ذوات بشكلٍ مختلف في كل تقمّص وتجاربهم هي سلك دروب التسامح والعدالة والمحبة.
وينطبق هذا على جميع الشعوب والدول بل وحتى الأفراد المتنافرون. فهذه حال الهنودس والإسلام، والألمان والفرنسيون وغيرهم من شتّى النحل والأديان المختلفة شكلاً وظاهراً وهي واحد مضموناً وجوهراً.”
وصلّى الملاكان بخشوع عميق راجيين أن ينعم الله على البشر بهذه المعرفة الروحية عساها بهدايتها وإلهامها تخفّف من عذاباتهم وآلامهم وتهديهم لسواء السبيل سائلين:
“متى سيعي الإنسان أنه واحدٌ وأخيه الإنسان؟
متى سيعرف البشر أن أي عملٍ عدائي يرتكبونه ضد أخوتهم البشر، مهما كانت اسبابه ومسبّباته، هو جريمةٌ بحق انفهسم لا تؤدّي إلّا إلى المزيد من الآلام والقهر والانتقام؟
متى سيعيش البشر إخوةً وأخوات في عائلةٍ روحيّة واحدة كما ارادها الله منذ بدء الخلق؟”
*قصة خيالية من وحي التعاليم الداهشية