تعليل الظاهرات الداهشية
لقد واظب الشاعر والأديب المعروف حليم دموس على مراسلة عددٍ كبيرٍ من المجلّات بما يخصّ الدكتور داهش ومعجزاته والعقيدة الداهشية المُلهمة الداعية الى الوحدة الدينية الجوهرية وعودة الانسان الى حظيرة المثل العليا والفضائل. كما جابه إضطهاداً غاشماً مدافعاً ببسالةٍ عن عقيدته ومبادئها الفاضلة.
كتب في المرحَلَةِ الدَّاهِشية من حَيَاتِهِ مُؤلَّفاتٍ عدّة حَوْلَ الدكتور داهش والداهشية منها كتاب “الوقائع الداهشية” في ٢٠ جزءاً . كما نظم شعراً معظم مؤلفات الدكتور داهش.
وقد خصّ “مجلّة الدبّور “التي كان تربطه بمؤسّسها يوسف مكرزل صلة صحافية وأدبية، بعددٍ من هذه المقالات القيّمة. وقد تناول جزءٌ منها موضوع تعليل الظاهرات الداهشية ومصدرها ودحض التفسيرات العشوائية التي يطلقها البعض من إيحاء وتنويم مغناطيسي وغيرها.
وإيماناً بأهميّة وفائدة هذه المقالات على الأفراد والمجتمع، ستبادر مجلّة “النار والنّور” الى إعادة نشرها مقسّمة في ٦ أجزاء.
الجزء الأوّل: مقدّمة ودحض حجة التعليل بالإيحاء
الجزء الثاني: دحض حجة التعليل بالتنويم المغناطيسي وبمناجاة الأرواح
الجزء الثالث:دحض حجة التعليل بالفقيرية والسحر
الجزء الرابع: تفسير الظاهرات الداهشية
الجزء الخامس: أهداف الظاهرات الداهشية
الجزء السادس: التعاليم الداهشية
الجزء الأول:
إن المعجزات التي تمّت بواسطة الدكتور داهش لم يجر مثلها منذ أن صعد السيد المسيح الى السماء حتى يومنا هذا.
وقد كانت هذه المعجزات والخوارق تتمّ بقوّة مستمدّة من الله عزّ وجلّ . ولها أهداف علويّة سامية إذ بفضلها خلق هذا التيّار الروحيّ الداهشي الذي سيجتاح العالم بأسره مع مرور الايّام والذي سيخلق تطوّراً هامّاً في جميع حقول الفكر البشري إذ أنّ هذه الخوارق تفتح أمام أعين المفكّرين بل أمام عباد الله أجمعين آفاقاً روحية سماوية ضلّت عنها البشرية منذ أن ابتعدت عن الحقائق التي تنشدها الأديان. ومنذ أن غاصت في غياهب المادّة المظلمة.
فهذه الظاهرات والقوّة الخفيّة التي تقوم بها تثبت لنا بالبرهان المادي الملموس أن ارواحنا خالدة لا تموت كما أنها تحتّم علينا ان نستنتج ما سيكون لهذه الارواح من مصير. فالثواب والنعيم لمن يتّقي الله والعقاب والجحيم لكل متمرّد على الإرادة الصمدانية.
ونحن الداهشيّون إذا ضحّينا بما ضحينا به . وإذا تحمّلنا ما تحمّلناه فإنّنا لم نفعل ذلك لو لم تكن لدينا البراهين الدامغة والبيّنات البالغة التي تجعلنا نؤمن بما به نؤمن . والتي تبثّ فينا الجرأة لنعلن بما به نجاهر ونفاخر . وها إنني أدخل في صلب الموضوع فأقول:
لقد وصل الى آذاننا أنّ بعض الناس يفسّرون هذه الظاهرات:
١- بالايحاء والاستهداء .
٢-بالتنويم المغناطيسي .
٣ – بمناجاة الارواح .
٤- بالفقيرية .
٥- بالسحر .
أمّا الذين يتفلسفون هذا التفلسف ويقدّمون هذه الشروح الخنفشارية فهم يجهلون تمام الجهل كل ما يتبجّحون به من تفسيرات . واذا سألتهم ما هو التنويم مثلاً ؟ وكيف يجري؟ وما هي امكانياته ؟… لعجزوا أن يعطوك جواباً صائباً لأنهم يجهلون التنويم .
واذا سألتهم عن الفقيرية وما معنى الفقراء في الهند وكيف يعيشون . وما هي أعمالهم الى آخر ذلك لعجزوا ان يشرحوا لك بنداً من بنود هذا الموضوع. فعندما يشرحون الظاهرات الروحية الداهشية بما هم يشرحونها فهم يكذبون على أنفسهم وعلى الناس .
وكان الأحرى بهم أن يجيبوا جواباً واحداً معقولاً ألا وهو : لا أدري!
أمّا نحن فقد اضطررنا اضطراراً بموجبات الدعوة التي ندعو إليها الناس ان ندرس كافّة هذه المواضيع لكي نفرّق الحق عن الباطل ونظهر مواطن الدجل امام هيكل الحقيقة .
ولهذا فعندما نتكلّم بهذه المواضيع نتكلّم عنها بمعرفةٍ تامة ولدينا من الحجج والبراهين ما يسحق ويمحق ثرثرات المثرثرين ولكي نوصل الحقيقة الى أذهان قرّاء هذه الجريدة الغرّاء ونعطيهم نموذجاً من الظاهرات الروحية ثمّ نقوم بدراسته دراسةً علميةً مؤسّسين دراستنا هذه على المعلومات التي يعطينا إيّاها العلم عن التنويم والاستيحاء والفقيرية إلخ.. فنرى أنّ الموضوع يختلف كل الاختلاف عن تفسيرات البعض .
هل يمكن تفسير الظاهرات الداهشية بالإيحاء؟
١- ما هو الايحاء ؟
الإيحاء هو أن تجعل شخصاً يعتقد أن الخيال حقيقة . فتعطيه مثلاً قطعة من النار وتقول له إنها قطعة ثلج فيعتقد انها قطعة ثلج . أو تعطيه تفاحة وتقول له إنها بصلة فيعتقد أنها بالفعل بصلة .
٢- هل الإيحاء من الأمور الممكنة ؟
يقول الأطبّاء وعلى رأسهم الطبيبان شاركو وبرنهايم – أن الإيحاء ممكن في إحدى الحالتين. الحالة الأولى اثناء نوبة « الهستيريا » للمصابين بهذا المرض .والحالة الثانية للمنوّمين تنويماً مغناطيسياً وذلك أثناء غيبوبتهم .
هذا ما يقوله العلم . ولا يهمّنا هنا أن نجادل مدى صحّة هذا الشرح بل نقبله برمّته وعلاّته فنقول هل من الممكن ان نفسّر الظاهرات الداهشية بالإيحاء؟
او بعبارة أوضح وأصرح : هل إنّ الدكتور داهش كان يوحي لزائريه أن يروا الأشياء فتتمثّل امام أعينهم كأنها حقيقية بينما هي خيال في خيال؟
والجواب – كلا . لا يمكن تفسير الظاهرات الروحية الداهشية بالإيحاء وذلك للأسباب الآتية :
– لا يوجد شيء إسمه تنويم مغناطيسي للزائرين في اثناء الجلسات الروحية .
– إن الظاهرات الداهشية مادية ملموسة يستطيع كل فرد دون استثناء أن يتأكد من ماديّتها بعيداً عن داهش .
– إن الاغراض التي تحضر في الجلسات الروحية تبقى بعد إنتهاء الجلسة ويأخذها صاحبها وينصرف ويريها لعدّة أشخاص ويستطيع كلّ إنسان أن يتأكّد من ماديّتها وصحّتها دون أن يكون له أيّة صلة بالدكتور داهش . فالظاهرة التي شرحناها في عدد الأمس كافية وافية لدحض جميع الافتراضات من هذا القبيل إذ أنّ الاتفاقية التجارية التي استحضرت من حلب الى بيروت للسيّد حجار بقيت بعد الجلسة وأخذها صاحبها بعيداً عن داهش وأراها لعدّة أشخاص لا يعرفون داهشاً في ذلك الوقت ولا سمعوا بإسمه . ثمّ إن السيد حجار وضع هذه الاتفاقية على مشرحة الآلة الفوتوغرافية فإذا بالآلة الصمّاء تعطي عنها الصورة الصادقة وتبرهن أنّها حقيقة ماديّة واقعية .
وهكذا قل عن مئات الظاهرات نسرد بإختصار البعض منها :
أضاع الدكتور جورج خبصا دفتر مذكّراته في مدينة باريس عام ١٩٣٢ أي قبل أن يعرف الدكتور داهش بعشر سنوات . وفي جلسة روحيّة عُقدت في عام ١٩٤٢ أحضرت إحدى الأرواح هذا الدفتر المفقود وأعطته لصاحبه وهو يحتفظ به الى اليوم ويستطيع كل فرد أن يراه ويلمسه .
فأين الإيحاء في ذلك اللهمّ الاّ إذا أقررنا أنّ وجودنا وسيرنا على الأرض وأكلنا وشربنا وحياتنا كلها إيحاء بإيحاء .
أو إذا صفعت المتفلسفين السخفاء صفعةً رنّانة واعتقدوا أنّها إيحاء.
وهذه ظاهرة أخرى كنت قد نشرت تفاصيلها في جريدة الديار .
أضاع الأستاذ نون في ثلوج ظهر البيدر قلمه الذهبي الذي يحمل اسمه محفوراً، وبعد مدّة تعرّف بالدكتور داهش وطلب من إحدى الأرواح أن تحضر له القلم . فيحضر القلم ويأخذه صاحبه ويُنفى الدكتور داهش وتمضي الأيام والأعوام والقلم هو هو يستطيع كل فرد أن يراه ويلمسه ويكتب به . وهو الى الآن عند صاحبه .
فليحلّل لنا أصحاب العقول الواسعة جداً هذه الظاهرة وليقولوا بعدها إنّها وهمٌ وخيالٌ وإيحاء .
وهنا لا بدّ لنا من أن نذكر كلمةً نطرحها على شكل سؤال لقرّاء هذه الجريدة الغرّاء فنقول :
– ما هي الثمار التي جنيناها من وراء الرسالة الداهشية؟
– إنّنا لم نجن سوى ثمارٍ شائكة مليئة بالعذاب والآلام والإضطهادات وهذا ما يعرفه الجميع. ولم نمدّ يدنا لأحد . ولم نطلب نفوذاً أو سيطرةً بل نؤمن ونجاهر أن لا نفوذ ولا سيطرة الا لله وحده . والناس كلّهم سواسية ، وإننا نتأكّد سلفاً أن طريقنا وعرة، ووعرة للغاية . وأنّ ليس لنا أن ننتظر مكافأةً على هذه الأرض فهل من المعقول ان نتورّط في مثل هذه الطريق الصعبة ونضحّي في سبيلها بكل غالٍ ورخيص دون أن نكون قد بنينا عقيدتنا على أسسٍ فولاذية حقيقية نستمدّ منها الصبر والجلد والايمان ؟
وهل من المعقول أن يتورّط الداهشيون – وكلّهم مثقّفون وأصحاب مناصب مرموقة وماضٍ طيّب – وأن يصبحوا دعاة للدكتور داهش و رسالته دون أن يدرسوا هذا الأمر ويقلّبوه ويمحصوه ويدقّقوا في كافّة نواحيه وفي جميع ثناياه وخفاياه ليتأكّدوا صدقه من كذبه . وبعد هذا القول فلا مانع أن يثرثر أصحاب الأدمغة الضخمة وليحلّلوا كما يشاؤون .
بين حانا ومانا ضاعت الحقيقة
وما كادت تبرز كلمة الإيحاء في عالم الطب حتى انتزعها المشعوذون واستأثروا بها وأضافوها الى قاموسهم وبضاعتهم التهريجية.
وهذه بعض نماذج من الأعمال التي يزعمون انهم يقومون بها بواسطة الإيحاء والتأثير .
اولاً – يخرج المشعوذ على المسرح وبيده كرة من المعدن وينادي أحد الحضور ويناوله الكرة وهو يقول له :
– هذه الكرة المعدنية هي باردة، باردة الآن . وها إنّي آمرك وأوحي اليك بقوة تأثيري عليك أن تشعر بأنها حارّة وحارّة جدّاً .
وبالفعل يشعر الشخص الذي بيده الكرة أنها أصبحت حارة ثمّ تتحوّل الى قطعة من الجمر المتلظي فلا يستطيع إحتمالها فيطرحها أرضاً لكي لا تحرق يده .
فينحني المشعوذ أمام الحضور الذين لشدّة إعجابهم ودهشتهم يصفّقون تصفيقاً حاداً يثمل له الدجّال فيترنّح أمامهم بخيلاء . وكم كان الأحرى بهم أن يمطروه بأحذيتهم عوضاً عن التصفيق السخيف لو أنّهم علّلوا أو حلّلوا شعوذته وهذه هي حقيقة هذه اللعبة الشعوذية :
إن الكرة المعدنية تباع في اوروبا في محلاّت مخصّصة لبيع هذه الآلات والألعاب الدجلية وهي كناية عن طابة من النحاس المطلي بالفضة وهي “محزّزة” من الخارج بخطوط سوداء كي لا تفضح كيفية فتحها . وفي أحد القسمين يوجد أنبوب صغير يملؤه المشعوذ بحامض كيماوي «أسيد» ويملأ بالكلس الفراغ الموجود حول هذا الأنبوب . وتجري هذه العملية من وراء المسرح قبل الحفلة . وعندما يحضر الدجّال على المسرح ويكون قد أطبق الطابة بمدّها إلى من يريد خديعته بعد أن يقلبها في يده فيمتزج الحامض بالكلس وينتج عن ذلك المزيج تلك الحرارة التي ترتفع رويداً رويداً حتى تصبح شديدةً للغاية .
هذا هو النوع الأول من الإيحاء الشعوذي.
أمّا النوع الثاني فهذا هو : يحضر المشعوذ متأخراً الى الحفلة التي كان قد حدّد موعدها الساعة التاسعة مساءً وها إنّ الساعة قد أصبحت العاشرة .
وعندما يدخل قاعة الحفلة يقوم بعض الاشخاص ويعاتبونه قائلين : لماذا هذا التأخير، ها إنّ الساعة قد اصبحت العاشرة وموعدنا بك الساعة التاسعة. فيتعجّب المشعوذ ثم يبتسم ويقول :
– إنّ الساعة الآن هي التاسعة وليست العاشرة كما يقولون. .
فينظر الحضور الى ساعاتهم فمنهم من يرى أنّها التاسعة ويعلن عن ذلك بأعلى صوته بدهشةٍ عظيمة وتصفيقٍ حاد . ومنهم من يرى أنّها العاشرة فيستفهم ويستفسر وهنا يقف الدجّال على المسرح ويقول: إنّ الساعة هي العاشرة وليست التاسعة ولكنّه استطاع بقوّة تأثيره أن يجعل البعض يرون أنّها التاسعة. ثمّ يعلن بقوّة وسرعة “أمّا الذين لا يزالون يرون أنّ ساعتهم في العاشرة وهي الساعة الحقيقية فإنني أهنّئهم وأغبطهم لأنّهم من أصحاب الإرادة الحديدية ولا أستطيع التأثير عليهم . وهذه دلالة جيدة لمستقبلهم .
وهنا يرتفع الهرج والمرج ثمّ التصفيق الحاد . ويسدل الستار على الحقيقة الذبيحة . وقد تطوّع البعض فأطلقوا على هذه المهزلة اسم “الإيحاء الاجماعي” . والحقيقة أنّ هذه مخجلة وهي إهانة للفكر البشري .
أمّا الذين يتطوّعون للنفخ في بوق هؤلاء المشعوذين فلا يقلّون عاراً عن هؤلاء الدجّالين أنفسهم .
وهذا هو شرح هذا “الإيحاء الاجماعي” :
يتّفق الدجّال مع عشرة أو عشرين شخصاً قبل موعد الحفلة ويطلب منهم أن يؤخّروا ساعاتهم ساعة واحدة .
فإذا وصل في العاشرة تدلّ ساعاتهم على أنّها التاسعة ….
وعندما يدخل الدجّال إلى القاعة يقوم بتمثيل شعوذته، فالذين يعلنون أنّهم موهومون هم هم أولئك الذين قد اتّفق معهم سلفاً .
أمّا القسم الثاني وهو السواد الأعظم من الحضور فينتفخ كبرياءً عندما يسمع أنّه من أصحاب الإرادة الحديدية . .
وهكذا تلتقي الإرادات الحديدية بالتدجيلات الشعوذيّة والإيحاءات الخنفشارية على مزبلة واحدة وتضيع الحقيقة..
* يتبع الجزء الثاني في العدد القادم.