تَسْجيل الأعْمال
إذا كانت الرُّوح عِلَّةُ وجود المادّة، والسّيّالات المادِيّة مُنْبَثِقَة مِنْها قائمَةً على دَرَجات وفْق اسْتِحْقاقها، فلا بُدّ من علاقة وثيقة بين السَّيَّالات الروحية المُظْهِرَة للأجسام، والروح الخالدة النقية من كل شائبة مادية.
وكما أنّ للسّيّالات خصائص وميول ونزعات يقودها السيال الرئيس ما يُمَيّز الكائنات عن بعضها البعض في مَظْهَرِها النّسْبِيّ، كذلك لها خصائص تخزين للمعلومات وحِفْظِها. وقد وَضَّحَ الأمر، نَبِيّ السّماء، الدكتور داهش، في حديثه عن مَيزات السّيالات وما نَضَحَ به العلم الحديث من معلومات تؤكد ان للجماد شعور وتأثر، كما أكَّد أمْر تخزين المعلومات حتى في الجمادات أنفسها، وهذا لا يستثني الجسد البشري حيث كما ورد في القرآن الكريم: ( يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يَعْمَلُون.)
إذن كل شيء محفوظ في السيالات الروحية، تَنْتَقِل حيث يَنْتَقِل صاحبها، فَتَنْفَكّ السُّفْلِيَّة عَنْه بِتَحْسين أعماله. بالإضافة إلى ذلك، ومن وجهَة نَظَري الشَّخْصِيَّة، يُمْكِن للرّوح أن تُحْضر أي شيء من أي مكان في الأكوان المُوغِلة في البُعْد ، بِلَمْح البصر، دون تَرْحيلِها مادِيَّاً من نقطة الى أخرى، وبذلك تكون قد تجاوزت سرعة النور بأضعاف مضاعفة، فغير المُسْتَطاع عند النّاس مُسْتَطاع عند الله. ومِن المُنطَلِق العلْمي، نجد أنّ الفوتونات هي أقرب صورة رمْزِية للسيالات بما لها من قُدرة على الانتقال بسرعة الضوء، باعتبارها، فوتونات ضوئيَّة؛ فسرعة الضوء، بحسب الأبْحاث العِلْمِيَّة المَوثُوقَة، هي أقصى ما يمكن للمادّة بلوغه. فإذا ما تمكّن الإنسان من بلوغ هذه السرعة، فهو مُجْبَر على تحويل المادة إلى نور من خلال أجهزة عِلْمِيَّة مُتَطَوّرة، وإذ ذاك تنطلق مركبته النورية مُجْتاحَةً أجواز الفَضاء. لقد ثَبِتَ أن جزيئات الفوتونات يُمكن أن تنقل معلومات وصُوَر إلى الفضاء الخارِجي بسرعة النور. فانعكاس الضوء على الأجسام، يُصَوّر حركات الجسم ناقِلاً إيّاها إلى كواكب بعيدة. وقد أوضحت التعاليم الداهشيّة أن أصْل الأشياء سيالات مُتكاثِفة تمنح على تكاثفها مَظْهَر الشيء الحِسّي الذي يكون عَلَيه. وإذ هي مُتَّصِلَة بِخَيط من نور بالروح كما قال الدكتور داهِش في مجلة بروق ورُعود، فمَعْنى ذلك أنّها تَعْكِسُ نوراً عالي الذَّبذبة أقرب ما تكون له هي الفوتونات المُكْتَشَفة عِلْمِيّاً، وهي ما تَطْبَع صورة الأشياء وتُخَزّن طاقاتها، على صَفحة كوكب روحي.
وإذا ما أرَدنا توضيح الأمر، بل كما هو، عِلْميّاً، لِمدارِكنا البَشَرِيَّة، فَخَير مِثال على ذلك وأبْسَطه هو طَبْع الصُّورة على شريط تَصْويري نتيجة تفاعُل الفوتونات مع الشريط الكيميائي التّصْويري. إذ ما إن تضرب الفوتونات الفِلْم تُحَوّل حالات بلورات الهاليد. ثُمّ بعد ذلك وباسْتخدام مواد كيماوِيّة، يُمكن كشف الصورة الكامِنة، مُخَلِّفَةً تَسْجيلاً دائماً لِصورة الضوء الذي ضَرَبَ الشَّريط.
يُذَكّرنا هذا الأمْر بِتَجْرِبَة العالِم ماندال، من ناحِيَة، في قِصّة ” قِصة عِلْمِيّة خيالِيَّة” حيث نراه يُحَوّل المادَّة إلى ضوء بواسَطة محاليل كيميائيّة فتنطلَق الأجسام إلى الفَضاء بسرعة النور. أرى الأمر، عزيزي القارِئ، شبيهاً بتحويل النور إلى مادّة في الصُّوَر، لكن العكس هو الحال في تجربة العالِم ماندال المُتَشَعّبة العميقة العِلْم. إذْ عندها تكون الأجسام عند تَحَوّلها إلى نور حَيّة، وذلك قُبَيل إعادة أخذ صورتها المادِيّة حيث رَحَلَتْ عبر مسافات سحيقة بِسُرْعَة النّور.
نرى هنا تجسيد للفوتونات على المادة، او انعكاس حَيّ عليها إذا جاز التَّعْبير. وإذ هي سيالات، يمكن لها التَّجَسُّد بعيداً في عالم قَصِيّ، وهي التي تَنْطَلِق بعيداً بسرعة رهيبة، في الفضاء.
وعلى الصَّعيد العِلْمِيّ، تبدأ رِحْلَة الفوتونات بإطلاقِها مِن مصدر ضوئي كالشَّمْس، أو ضوء كهربائي أو ليزَر، او تفاعُل كيميائي. ما إن تنطلق، تذهب الفوتونات إذْ ذاك في الفضاء في خطوط مُسْتَقيمَة، حتّى تضرب في جسم ما. فإما يتم امتصاصها أو عكسها. فمثلاً تظهر التفاحة الحمراء بهذا اللون، لأن المادة التي امتصَّت الفوتونات أخذت كل الألوان عاكسة الموجة الذَبْذَبِيَّة الحَمْراء.
وفي حالة أجهِزَة الاسْتِشْعار الرَّقَمِيّة نرى الفوتون يضرب جهاز الاسْتِشعار مصنوع من أشباه مُوصِلات مصنوعة من مادّة كالسّيلِيكون. تحتوي أجهزة الاستِشْعار هذه على ملايينٍ من المواد الحَسّاسة المَدعَوَّة بِكْسِلْز Pixels ، ثم بتوليدها ما يُسَمّى بِزوج ثُقب الإلكترون، يُمكنها إذ ذاك خَلْق شُحْنَة كَهربائِيّة مُتناسِبَة مع شِدَّة الضَّوء. يتم تحويل تلك الشُّحْنة بعدئذٍ إلى إشارة رقميّة، حيث تُعالَج لإنتاج الصورة.
هناك أيضاً تقنيّة التّأثير الضَّوئي، حيث نرى الفوتونات على المادّة، تُخْرِج الإلكترونات من المادَّة. يستخدم هذا المَبْدَأ في آلات كأنابيب مُضاعَفة الضَّوء والخلايا الشَّمسيّة، حيث يَتم قياس الإلكترونات لِخلْق صورة أو إشارَة.
هناك موادّاً يمكنها امتصاص الفوتونات وإعادة بَثِّها على موجات مُخْتَلِفَة. تستَخَدَم هذه الخاصِيّة في تقَنِيّات مُتَعَدّدة كالمِجْهَر الفلوريسيني. حيث تُسْتَخدم صبغتت مُعَيَّنة لرُؤية مجسّمات خلايا حَيّة.
وفي هذا المِثال، وفي ضوء التعاليم الروحِيّة الدّاهِشِيّة، نرى أن الضوء المنعَكِس والمنبَعِث من أجسامِنا على دَرجَتِهِ النّسبيّة، وفي طريقه بسرعة النور إلى الفضاء الخارِجي، قد تعترضه مواداًّ تمتصّه، لكن، يُمْكِن تحويله إلى مواد ضوئية، تستأنِف رحلتها عبر الكون الفسيح إلى ما هو مُقَدَّر لها بلوغه.
مِثال آخر عن تخزين الصّور هو الليزر الذي يُطلق الفوتونات الضوئِيّة على الأقراص المُدْمَجَة مُشَكّلاً حُفَراً تُقرأ من جِهة شُعاع ليزَر آخر، لتسجيل البيانات والمعلومات بِكفاءة متناهِيَة.
إن رحلة الفوتونات في الكون لعجيبة حتى تركها آثاراً وفي الفَضاء الخاِرِجي أيضاً. إنها تلك الصِّلة التشاركيّة التّناغُمِيَّة في المواد بوحدة السيّالات الرّوحِيّة.
الفوتونات هي جُزَئيَّات لا وَزْن لها تسافر في الكون ناقِلَة المعلومات والطاقة والموجات الذَبْذَبيّة الشُّعاعِيَّة، بما فيها الضوء المَنْظُور.
وبناءً عليه، فإن حِفْظ أعمال الكائنات الحيّة والجمادات في الكون لم يخلقه الله عَزَّ وَجَلّ عَبَثاً. لقد منح الله الحُرِيّة لكل كائن حَي مُتَوِّجاً إياها بضمير روحي ونَقي وَحِكمة وإرادة على الإنسان عَدَم الاسْتِهانة بِها، وإلا أخْفَق وَضَل وكان جزاءه رهيباً إذا ما اقتْرف شَرّاً.
إذْ كما قال الصحابي الجليل سَلْمان الفارِسي: “إنَّ لربِّكَ عليك حقًّا، وإنَّ لِنَفسكَ عليك حقًّا، ولأهلك عليك حقًّا، فأعْطِ كلَّ ذي حقٍّ حقَّهُ.”
وكما ورَدَ في القرآن الكَريم: في سورة يس (الآية 65):
“اليوم نختم على أفواههم وتُكَلّمنا أيديهم وتَشْهَدُ أرْجُلَهُم بما كانوا يكسبون “
وإذ تُعَلّمنا الحياة أن لكل فِعْل رَدَّة فِعْلٍ مساوِيَة ومُعاكِسة، نرى من ناحِيَة العِقاب جَزاء مَن اقترفوا الإثْم وعاقِبَتهم الوَخيمة. فمثلاً يشهد القرآن الكريم عن أعمال من اسْتهانوا بِكَلمة اللة في أيّام النبي نوح عليه السّلام إذْ سَخِروا مِنْه واسْتهْزءوا به وبإنذار الله الذي قاله الله تعالى له، فكانت عاقبتهم الغَرَق في أشد طوفان اجتاح الكرة الأرْضِيّة، على حَدّ عِلْمِنا. وكان الفوز من نَصيب النَّبي نوح ومن معه، إذ ارْتَفَعَ الفُلْك به عالياً فوق الأمواج متحَدّياً العواصِف، وبِصَبْرِ المؤمنين الذي صَبَروه بلغوا مرفأ الأمان.
وماذا نقول عن قوم سدوم وعمورة الذي أُمْطِروا كبريتاً وناراً بسبب ظُلْمِهم وسلوكهم الأخلاقِي المُنحَرِف، فَسَمح الله إذ ذاك بأن يعاقبوا من قِبل كائنات فضائيّة- بحسب التعاليم الداهِشيّة، فَمُحِقوا عن وجه الأرض.
ومَن مِنّا لا يَعْرِف قصة غرق فرعون أيّام النبي موسى عليه السلام الذي تَكبَّر وغرق وجنده في البحر الذي انشَقَّ بقوة الله ليسمح لمن أطاع النبي موسى عليه السلام وسار معه، فينتقلوا إلى بَرّ الأمان، بينما غرق من لحقه من طالِبِي نفسه ونَفس أتباعه خلفه. وما أشبه هذا الخلاص بخلاص المؤمن الصّابِر على آلامه النفسيّة والجسديّة وشدائد الحياة، الذي سينجو بِصَبْرِهِ وتقواه حتى من أعقد العُقَد والمسائل التي تكبّل نفسه، لأن الله يعْلَم مَخْجها وهو الخالِق. لكن ما كانت النكبات لِتَحِلّ علينا لو لم نسْتَحِقّها، ناهيك عزيزي القارِئ عَمّا ما أراد الله امتحان عَبيده به. وخير مِثال على ذلك صَبر النَّبي أيوب الذي ضُرِبَ بِرِزْقِهِ ومالِهِ وعائلَته وكل شيء، وبمَرَض البَرَص، لكن مع صَبْره عَوَّض الله له ما خَسِرهُ أضْعافاً مُضاعفَة بل ويَزيد.
نسْتَخْلِصُ من مقالِنا هذا أن خالق الكون تَرَك لَنا حُرَيّة التَّصَرُّف بإرادة كاملة، لكن توجَد عدالَة إلهيّة ترْدع الخاطِئ عن الاستمرار في غَيِّهِ وِفْقَ عقاب روحِيّ يناله في حينه. وكما وَرَدَ في القُرآن الكريم:” ما يُلْفَظ مِن قولٍ إلا لَديه رقيب عَتيد” صدق الله العظيم.
كلُ الأشياء مكشوفة عند الخالق، ولا يَعْسُر عليه رؤية أدَق ذَرّة فينا، وأي بَحْثٍ يقوم به العلماء للإضرار بالطّبيعة. وإذْ ذاك بعث لنا الأنبياء عليهم السلام ليُذَكرونا بِقيَم الحق والسلوك فيها، قبل أن يأتي يوم النَّدامة الذي جلبته البشرية على نفسها، وما كسبناه بأيدينا جزاء وفاقاً نَسْتَحِقه. وكم بالحَري بِنا التّوبة قبل مجيء يوم تُفْني القنابل الذَّرِيّة فيه كُل ذُرِيّة أرْضيّة فتكون كشيء لم يَكُن.