نواة القيم الإنسانيَّة
قال السيّد المسيح:” “طوبى للرحماء لأنهم سيُرحمون” (متى 5: 7).
معادلةٌ إلهيَّة على لسان ابن السماء، دعوة سماويَّة لتخفيف مُعاناة الفقراء الضعفاء، والرازحين تحت نير الإستسلام والعبوديَّة، وتحدٍّ عابرٍ للواقع الأليم في الظُّلم والإستبداد، باب خلاصٍ للمُتعبين في الأرض، وسعيٌ دائم لتحقيق السَّلام والإرتقاء الرُّوحي من خلال التوازن بين الجوانب المُختلِفة للنفس الإنسانيَّة على الصعيدين الماديّ والروحيّ.
الرحمة هي جوهر الدين السماويَّ، بداية رحلة التواصل مع العوالم الروحيَّة، نقطة التحوُّل نحو حياة أكثر إشراقاً وذات معنى، تدفع بالنَّفسِ لقهر غرورها، والتغلُّب على ميولها، تزرع بذور المحبَّة بين الصديق والعدو، تبني جسور التواصل الفكري وتعزّز الروابط بين الأفراد، لتشكِّل نواة القيم الإنسانيَّة، ونشر السلام والوئام بين الناس، ووضع الحجر الأساس في بناء الحضارات.
الإنسانيَّة هي دعوة الرُّسل والأنبياء والهداة والمُصلحين لكيفيَّة التعامل بين الإنسان وأخيه الإنسان، بعيداً عن عرقه أو جنسه أو إختلافاته الثقافيَّة والدينيَّة، مبنيَّة على القيم الروحيَّة والتعاليم الإلهيَّة، أساسها المحبَّة والرحمة وفيها السلام والخلاص.
الإنسانيَّة نُضجٌ فكريّ، ورقيٌّ عقلي، لا تكتبها الأقلام، ولا تلوكها الألسنة، أفكارٌ مُلهمة، تفانٍ وإصرار في الصلاح والإصلاح، ألتزامٌ بالسماء ونُظُمِها السامية، تعكس رحلة الصبر مع الإرتقاء الرُّوحيّ، هي مرحلة مُتقدِّمة من التعاطف والتسامح والتضامن بين البشر، دعامتها العدالة والمُساواة دون تمييز لحياة كريمة وأكثر تماسكاً وتلاحماً.
العدالة هي أن تتمنَّى لغيرك ما تتمنَّاه لنفسك، وليست نسبيَّة على الإطلاق، فإن ساء تطبيقها، تمرَّد النَّاس، وفتحت أبواب الجحيم على مصراعيه، توتُّرات وصراعات بين الأفراد والمُجتمعات وحتى الدول. وما يحدثُ اليوم من صراعاتٍ تندى لها جبين الإنسانيَّة، وموقف الدول العظمى منها موقف الداعم المُستبد، أو المُتفرّج الشامت على موت الألآف من الأطفال والنساء والشيوخ العُزَّل، في بيوتهم وعلى أسرَّتهم، أو الشاهد الصامت عن صراخ وعويل الأيتام والثُكالى التي صمَّت الآذان مُستنجدةً بكسرة خبزٍ وجرعة دواء، لهو وصمة عارٍ على البشريَّة جمعاء، وابتعاد الإنسان عن الحقّ والعدل والقوانين يجعله أقلَّ من الحيوان، يتصرَّف بغريزة العدائيَّة وغرور السُّلطة وفرحة النصر على أشلاء ضحاياه.
ومن لا يحترم القانون لا يستحقّ الإحترام، فالقوى العظمى، واضعةُ القوانين، عليها أن تحترم القوانين التي وضعها فلاسفتها وجهابذتها، وإلاَّ فبئس تلك القوانين، وكلُّ ما يُقال هو كذبٌ بكذبٍ، وعليه، بشِّرها بالسقوط والزوال..
هيئة التحرير