الافتتاحية

لماذا نارٌ ونور

 

اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ، مصدر كلَّ نورٍ ومعرفةٍ وهداية وحياة، كُلِّيّ الحقيقة والخير والجمال. ومجلَّة نَارٌ ونُور نافذةٌ تستمدُّ نورها ونارها من وحي السماء المُتجسِّد تعاليماً إلهيَّة في كتابات الرُّسل والأنبياء، تكشف الظلام وتزيل الغموض، تمنحنا رؤية واضحة لكثيرٍ من الحقائق الروحيَّة، وترشدنا الى طريق الحقّ والنور واليقين.مجلَّة نَارٌ ونُور، ظاهرة تُثير الدهشة من حيثُ المواضيع والموضوعيَّة، تبحثُ في العلم والمنطق، وتستكشف المعلومات الدقيقة أنَّما وُجِدت، مُحاوِلةً جمع أكبر قدر من البيانات والحقائق التي تُسهم في بناء فهم أعمق وأشمل، مع التركيز على المصادر الموثوقة، سواء كانت في المصادر التقليدية كالكتب والأوراق العلمية، أو في العالم الرقمي الحديث الذي يقدم نافذة إلى أوسع آفاق المعرفة. تبحثُ في القيم والأخلاق والعقل والمنطق، وتُلقي الضوء على مفاهيم فوق العادة، فوق الشُبهات والأقاويل، مُستندةً الى قراءاتٍ ودراساتٍ وأبحاثٍ تلعب دوراً أساسيَّاً في إزاحة الستار عن الكثير من الحقائق الروحيَّة، فيها ننقِّبُ ونفتِّشُ ونُحلِّل في أعماق الحقيقة والأكثر عمقًا وتعقيدًا للواقع المُتعارف عليه، وتحدِّياً  في الوصول إلى الجوانب الأساسية والجوهريَّة للوجود. نلقي الضوء على جوهر الأحداث بمنهجيِّة فكريَّة ونقديَّة ممَّا يعزِّز الفهم ويوجه الانتباه في تشكيل رؤىً جديدة، تكشفُ جوانب مخفيَّة لظواهر الأشياء من منظورٍ روحيّ، ممَّا يحدِّد ماهيتها الحقيقية.

النَّار والنُّور عناصرٌ رمزيَّة يستخدمها الفنَّانون والأدباء في أعمالهم، لتنعكس ألواناً في لوحةٍ رائعة الجمال، تجذُبُ عين الناظر وتَعبُر الى النَّفس فتضفي عليها جمالاً من وحي الإله يعبِّر عن حالاتٍ مُختلفة من العواطف والأمل. تُتيحُ لنا أن نُدركَ العظمة في التفاصيل، نتأمَّل في لغة الفنّ التي تحمل الكثير من المعاني، تعبر عن مشاعر لا يمكن أن تصوغها الكلمات، وتفتح أمامنا أبواب الوعي والجمال. تستمدُّ من تجاربهم أدواتً تخطُّ عبارات ًذات دقَّة واتِّقان، تخلقُ صورًا حية وتعابير غنية، تُجسِّدُ جمال الكلمة بكلِّ تجليَّاتها شعراً ونثراً وأدباً يؤثِّر في النَّفس ويتفاعل مع العقل ويتحدَّث للرُّوح، تفتح أفقاً جديداً في الكتابة والتعبير، تزيد القارىء وعياً وفهماً واندماجاً يلامس أعماق الإنسان الخفيَّة، حيثُ تتجلَّى ذرَّاته كمفتاحٍ لكشف الأقنعة وإنارة الدرب لفهم الحقيقة، وتشكيل نموذجاً للتوجيه والسلوك الحسن..   

بين النَّار والنُّور رموز ودلالات مُتشابكة في كثيرٍ من الثقافات حول العالم، حيثُ تظهر النَّار كرمز للقوة والتأثير، كما تُعتبر مصدرًا للهلاك والدَّمَار. ومع ذلك، قد تكون برداً وسلاماً كما ورد في قصَّة النبي إبراهيم، بسبب دعوته للوحدانيَّة الالهيَّة ورفضه لعبادة الأصنام، وأشار إليها القرآن الكريم في سورة الأنبياء” قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ “. وقد تظهر أيضًا كرمز للتجدُّد وإعادة الخلق، ويعتبر الاحتراق نوعًا من أنواع التطهير والتحوُّل الى حالةٍ أفضل، كما يعكس دورها في دورة الحياة والموت. تكمن قدرتها في تكوين المرونة من بوتقة التحدِّيات وتجسيد جوانب مُتعدِّدة للحياة والإنسان،. إنَّها قوَّة لا تنضب، تربط اللهب بالدفء والحياة، تهذب الشخصيَّة وتُنقّي الروُّح. بينما يرتبط النُّور بطابعٍ إيجابيٍ ومُشرق، يتجلَّى كعنصرٍ مقدَّس يرتبط بالله والروحانية. ويُعتبر رمزاً للإلهام والتوجيه وفتح أفآق الفهم العميق للحقيقة، يُضيء الأمل ويبعثُ السلام وينير الطريق، يُعَبَّر عنه بنورِ الهداية الذي يزيل الغموض والتعتيم الذي يكتنف معظم جوانب الوجود، ويمنح البشر رؤية أفضل وفهمٍ أعمق وتحليلٍ أكثر دقَّة لأسرار الحياة. يقول يسوع المسيح في الإنجيل: “أنا هو نور العالم”.

بين النَّار والنُّور تكاملٌ يعكسُ جمالية الكلمة، وحريَّة الفكر، يفتحُ أبواباً مُشرَّعة على مصراعيها ترى منها بعيونٍ ثاقبة غموض المستقبل الآتي، وتُدرك صور الأشياء ذات العمق الرُّوحي والفلسفي للوجود، بلغةٍ فنيَّة، تُنْسَجُ من حروفها ألفاظاً تُشكِّلُ عباءة المعرفة التي تقي من ظلام الجهل، تحمل في طياتها كلماتً تتألق بألوانٍ تمزج بين الجمال والفهم وتُشكِّل أبعاد التوازن الروُّحي في الحياة، وتناغمها الطبيعي مع الكون.

بين النار والنور جسرُ إختيارٍ لرحلة الإنسان الروحيَّة نحو الحقيقة، طويلة وصعبة، شاقة وعميقة، تتجاوز وجودها الماديّ، لتُبحِر في مُحيطاتٍ كونيَّة، تستمتع بأنوارها السماويَّة، تبحث في جوهرها، تغرف من معينِ معرفتها، تسبحُ في بحور التأمُّل والتساؤل عن جمالٍ يحيّر العقول، تكشف عن الحقائق العميقة المخبأة في أعماق الوعي، لتُبدِّد ظلال الشكّ. فالنارُ تجذب الإنسان بقوَّةٍ، لأنَّها ترمز إلى الرغبات والشهوات. أما النور، فهو رمز للتضحية ونكران الذات.

من رماد الماضي، تظهر بدايات جديدة لمواجهة تعقيدات الوجود، وتجاوز حدود الفهم الدنيوي، وجمال التكامل بين النَّار والنُّور يكمن في قوَّتهما المتبادلة لإثراء حياتنا وفهمنا للعالم واستكشاف الوجود وتساؤلاته العميقة. وتحرير الذات من نير العبوديَّة التي توارثناها. 

يقول الدكتور داهش: “لا بدَّ من نور ساطع كي يبدِّد هذه الظلمة المُوحشة الشاملة”. وعليه كانت مجلَّة نَارٌ ونُور.

هيئة التحرير

error: Content is protected !!