بين الواقع والأمل
انتهى العام الفائت معلناً بدأ عامٍ جديدٍ مليئٍ بالأمل والرجاء. ولكن مهلاً، ها هي السنوات تمرّ ونحن دوماً نتأملّ ونرجو منها، أمّا هي فتقابلنا كل مرّة بخيبات الأمل واحدةٍ تلو الأخرى. وهذا العام ليس باستثناء.
فهل يعقل أن يوجد أيّ تبريرٍ لقتل الأطفال الأبرياء والمدنيين؟السياسيون يسارعون إلى تبرير ما يروْنه بأمّ العين بحجّة الدفاع عن النفس.فكيف يُبرِّرون إذاً إختطاف الأولاد ثم تجنيدهم رغماً عنهم بعد التهديد بقتل عائلاتهم… اغتصاب الفتيات والنساء… الحروب التي تُشنّ للاستيلاء على أراضي الآخرين… التجويع المتعمّد…. فرض القوانين القمعية بهدف التحكّم بعامّة الناس بإسم الدين… التدمير المنهجي للغابات والطبيعة من حيوان ونبات من أجل الربح المادي…تجاهل التحذيرات المستمرّة التي يصدرها العلماء من أن الاستهلاك المفرط للوقود المعتمد على الكربون مضرّ بالكوكب ويسبب التغيير المناخي… هوس بعض المدنيين بامتلاك الأسلحة النارية الآلية ممّا أدّى إلى الكثير من عمليات القتل الجماعي التي استهدفت العديد من الأطفال… الارتفاع الخطير لعدد الأنظمة الاستبدادية في العديد من البلدان… الانقسامات الحادة في البيئات السياسية جرّاء الأكاذيب والأخبارالمزيفة… طمس الخطوط الفاصلة بين الحقيقة والزور… الإثراء غير المشروع وجشع الاغنياء… وما إلى ذلك!
ماذا حلّ بمبادئ التعاطف والمحبّة والاحترام والتعاون والتسامح التي تدعو إليها جميع الأديان الكبرى؟
لماذا الإمعان في تحدّي وعصيان أبسط القواعد السماوية واستبدالها بقواعد أرضية ومادية ؟
ولكن رغم الشعور بالاشمئزاز والإحباط جرّاء ما يحصل حولنا، ليس كل شيء قاتماً ويائساً، فهناك العديد من الأعمال الخيرية والإنسانية التي يقوم بها أفراد أو مجموعات لمساعدة الآخرين… العلماء المتفانون المكرّسون حياتهم لإيجاد علاجٍ للأمراض…… جمعيات حماية البيئة والرفق بالحيوان… الفرق الطبية التي تسافر إلى المناطق المنكوبة جرّاء الحروب أو الأمراض … المعلّمون والمعلّمات الذين يبذلون جهوداً إضافية لمساعدة طلاّبهم… الأغنياء الذين يتبرّعون للفقراء بصدقٍ ودون مقابل…. صانعي السلام… السامريون الصالحون الذين لا يترددون في مساعدة الغرباء … وما إلى ذلك!
إنّ سلبيّات الحياة التي تحيطنا دائماً وأبداً هي تذكيرٌ دائمٌ لنا جميعاً بأننا بحاجةٍ إلى بذل المزيد من الجهود لتغيير واقع الحال وإيقاظ الوعي والضمير لدى الناس… أن نلمس شغاف قلوبهم ونحثّهم على إعادة النظر في تصرّفاتهم… أن نقود بالقدوة… أن نعيش بصدقٍ تلك التعاليم الروحية التي وضعها لنا الأنبياء… أن ندرك جميعاً أن حالنا واحد وقدرنا واحد، أمّا مصيرنا الفردي فمرتبطٌ مباشرة بأعمالنا وسلوكنا … أن لا نتردّد أو نحيد قيد أنملة عن مناصرة الحق… وأن نكون مليئين بالأمل، لأنه بدون الأمل تصبح هذه الحياة عبئاً لا يحتمل.
نأمل أن تترك المواضيع والقضايا التي قدمناها في هذا العدد أثراً جميلاً في النفوس ودافعاً نحو التقدم الأخلاقي والرقي الروحي.