الميلادُ ذكرى
نفتح كتاب الذكريات، نُقلِّبُ في صفحاته، نقرأ بين سطوره، نتأمَّلُه، نُبحرُ في أحداثه، نعيشها لبرهة من الزمن ونستخلص منها معانٍ وعِبَراً، تحملُ في طيَّاتها آثاراً وأسراراً، تربط ما بين الماضي والحاضر، لنبني عليها المُستقبل.
وفي ذكرى ميلاد الدكتور داهش، نعيش ذكرياته في كُتُبه، في تأمُّلاته، في الفكر الذي خلَّفه تراثاً أدبيَّاً وثقافيَّاً، كنزاً ثميناً يُثري حياتنا الفكريَّة؛ نكتشف الأبعاد ما وراء الحياة، وطبيعة الإنسان وتطوُّره عبر الزمن، نقطة إنطلاقٍ نحو المُثُلِ العليا؛ نفتِّتَ ذرَّات كلماته، نعمل على نشرها في مشارقِ الأرضِ ومغارِبها لتكون مدينة المعرفة وبوابة السماء ..تغرفُ من معينها الأجيال، تستمدُّ منها نور الفجر الآتي، تعكسُ قيماً أخلاقيَّة ومبادئ روحيَّة.. تُلقي الضوء على مفاهيمٍ نورانيَّة.. تُساعد في فهم الحقائق الروحيَّة والبشريَّة، وتعقيدات الحياة وابعاد الوجود، وما خُفي فيها من جوهر الأديان السماويَّة. تزرع في النَّفس السلام والمحبَّة، وتُؤاخي بين الإنسان وأخيه الإنسان.
في ذكراه لا بُدَّ لنا من التأمل في مسيرة حياته، في روحانيَّته وتجاربه مع الحقيقة التي تعكس أفكاره وعواطفه، وتُشكّل شخصيَّته وتعاليم رسالته. فهي ليست مجرَّد كلمات على ورق، ولا أحداثاً من الماضي مبنيَّة على إيحاءاتٍ تتغيَّر مع مرور الوقت ،انما إنَّها الوحي الإلهيّ، نور الحقَّ الساطع، نستضيء به ، ونتعلَّمُ دروساً في الإنسانيَّة والتفاني والصبر.
في ذكراه، نغوص في أعماق الوجدان والضمير؛ نسترجع ما مرَّ بنا وعلينا؛ نبحثُ عن مكامن الخطأ الذي يتردَّد صداه في النَّفس البشريَّة من خلال الوعي الباطني، وفيما أعترضنا من صِعابٍ في مسيرتنا الداهشيَّة على الصعيدين الشخصي والجماعي، وهذا ما يعكس توتُّراً بين الطموح والكمال، والواقع المُتغيّر، وبين ما نحن عليه وما نريده فعلاً..
قد نتساءل عن التقاعس والإلتزام بالعهد وعن الثبات والمسؤوليَّة الشخصيَّة، وتحمل التبعات الناتجة عن ذلك، وما يترتَّب عليها من آثارٍ سلبيَّة، ممَّا يفتح باب الشكِّ والكفاءة في حمل الأمانة فهذا يُمثِّلُ تحدِّياً يجب مواجهته بجدِّية. ومن الحكمة معرفة الخطأ ففهمه وتقبُّله قد يكون مصدر إلهامٍ وإبداع ، وفرصة تطوُّر ونظرة جديدة للذات والعالم.
في ذكراه، حكاياتُ الفرح والحزن ،والفوز ،والنَّدم.. ذكرى ترقصُ على أنغام العقل، ترسم طريق الحياة حقائق ثابتة إلتزاماً بقيمه وتعاليمه؛ تهمس في الوادي المُقدَّس قصص الماضي السحيق؛ تحمل في طيَّاتها خيوطاً من نسيج الوجود الإنسانيّ، مرتبطة بتجارب الحياة سجل الهويَّة الذاتيَّة. تخطُّ العدالة الإلهيَّة ٍسطوراً من نور، تُشكِّلُ هويَّتنا الجديدة وتؤثِّرُ في تكويننا.
في ذكراه الابدية ، ذكرياتٌ جميلة لن يطويها النسيان ؛ فيها نجومٌ ساطعة في متاهات الحياة المُظلمة، تُضيء لنا طريق السماء، وفهم بعض ما خُفِيَ علينا في رحلة التعرُّف على الكون وما وراء الوجود .. نكتشفُ من خلالها سر أسرار نسعد بكشفها، نستلهم منها معرفة الذات، وما آلت إليه؛ مُتَّخذين منها دروساً ترشدنا الى التغييير والتعبير عن مسار حياة واضح وذي فائدة ، قد ينعكسُ خَلاصاً من عوالم المادَّة الى عوالم الرُّوح، حيثُ وجه الحقيقة .
هيئة التحرير.