أدب الدكتور داهش

كلمتي لعام ١٩٤٣

 

أيّها العام الجديد ! أهلاً بمطلعك!
لقد ذوى سلفك بعد أن كبّل الكون بقيوده الرهيبة،
وخلّف وراءه أهراماً من الأشلاء الممزّقة المبعثرة!
لقد تواری..وصيحات اليتامى،
وأنّات الأيامى تخترق أذنيه الرهيبتين!
فقد خلّفهم دون أن يأبه بهم ، ولم يبق لهم حارسٌ أو معين !
لقد تقلّص ظلّه الرهيب من هذه الرّبوع ؛
أما لعْلعة مدافعه المدمّرة ، ودمدمة رصاصه المخيف،
فما تزالان تهدران بجنونٍ عنيف !
لقد تلاشى ( الطاغية ) ، واللعنات تسير في ركابه
آخذ بعضها في رقاب بعض من كل مخلوق وذي حياة!
لقد انطوى وغيّبه ( القدر ) في أحضانه المجهولة
كي يؤدي الحساب العسير لما ارتكبه من نكبات جهنميّة!
والآن! …أنا أرحّب بمقدمك أيّها (العام الجديد)!
طالباً من ( الله ) أن يقوّيني في أيّامك ، ويهديني الرأي السديد ؛
راجياً منه أن يزرع في أعماقي بذور الايمان الصحيح ؛ مناجياً عزّته أن يأخذ بيد كلّ تائه في صحراء هذه الحياة وهو يصيح؛
مبتهلاً اليه أن يعطف على هذه البشرية المتألّمة ويؤاسيها ؛
ضارعاً بتبتّل أن يُشفق على آلامها الرهيبة ويحقّق لها أمانيها ؛
حامداً إيّاه على ما أوْلانيه من نعمٍ روحيّة سماويّة ؛
ساجداً أمامه لسماحه بظهور بعض آياته وظاهراته القدسيّة ؛
خاشعاً أمام عدالته التي ستجتاح كل ما يعترضها من صعب الأمور ؛
واثقاً بأنه سيحطم بمطرقة حقيقته
أنصاب العسف والطغيان والجور والفجور ؛
شاعراً بأن  (القول الفصل) سيتمّ بعد بعد وقت لا يطول؛
متأكّداً بأن هذا (الكون) الحقير صائر إلى ركام وطلول !
اللهمّ !! قوّني ، وثبّتني، وأضرم نيران الحماسة في صدري ،
كي أحمل مشعل الهداية الساطع ،
وأنير به رحاب هذا العالم المظلم الكئيب،
فتعمّ السعادة في هذا ( الكون ) ، ويفنى الشقاء !


الدكتور داهش
بيروت ، ١٩٤٣/١/١

من كتاب “ذكريات الماضي”

error: Content is protected !!